في ذكرى رحيلك يا أسد العدوان
د. هاني العدوان
28-09-2025 12:27 PM
العظماء لا يرحلون فرادى، بل يرحل معهم زمنٌ ومجدٌ كامل وهيبةٌ لا يكررها التاريخ
وحين يطوي الغياب رجلاً بحجم الشيخ سامي بن عفاش العدوان فإن القلوب ترتجف والذاكرة تشتعل والوجدان يئن كما لو فقد وطناً بأسره
كان شيخاً بحجم قبيلة ورجلاً بمقام وطن وفارساً يُحاكي المعلقات في شجاعته، وكرماً يُنافس به أساطير العرب الأولى، هيبته كانت تُشبه صولة الأسود ووجهه كان بشراً ووداعة وقلبه كتاباً مفتوحاً للناس كل الناس
لقد عرفته عن قرب، صديقاً ورفيقاً وصدراً واسعاً كالسماء، رافقته فكنت ظله، ورافقني فكان قلبي، أسسنا معاً مجلة المرآة السياحية، وجبنا الأردن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه لا نبحث إلا عن الخير ولا نبتغي إلا ما يفيد الوطن وينفع الناس، كان مجلسه مدرسةً في الكرم، ووجوده في أي عطوة كافياً لأن تُطوى الخلافات وتُعقد المصالحات، هيبةً لا تُشترى ووقاراً لا يُقلَّد
كان الشيخ سامي ملحمة من العطاء ورجلاً إذا نطق تكلم الوطن وإذا فكر شغلته قضايا قبيلته وشعبه، وإذا تحرك كان همه الناس كل الناس، لم يعرف الكبر ولم يُغلق بابه ولم يتأخر يوماً عن نجدة ملهوف أو إسعاف محتاج
لقد كان وفياً للأرض وللعرش على حد سواء أحب الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال حباً خالصاً وكانت تربطه به علاقة صداقة ووفاء راسخة، ثم مضى بالولاء ذاته مع جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير الحسن والأسرة الهاشمية جمعاء، لم يكن ذلك تكلفاً ولا رياءً بل كان نهج حياة لأن قلبه كان ممتلئاً بالوفاء ولسانه لا ينطق إلا بالصدق
آه يا سامي آه يا شيخنا وزعمينا، ما أشد وقع الفقد حين يكون المفقود بحجم أمة، لقد كنت شيخاً بألف شيخ ورجلاً بألف رجل، كان اسمك يكفي ليُحدث الأثر وحضورك يملأ المكان وقاراً وابتسامتك تطمئن النفوس، كنت فارساً عزّ نظيره، كريماً شاع صيته، رمزاً أردنياً عربياً لا يمحوه الدهر ولا تغيبه الأيام
واليوم وأنا أكتب عنك تتكسر الكلمات في يدي، لأن اللغة كلها تبدو يتيمة أمام قامتك، كيف يُختصر رجل بحجمك في بضع جُمل، كيف يُحكى عن أسد العدوان وكأنك ذكرى، كلا بل كنت ركناً من أركان الأردن وعلماً من أعلامنا، وصوتاً صادحاً في سماء الوطن
رحلت يا صديقي الصدوق لكنك لم تغب، بقيت في القلوب والذاكرة وستبقى، بقيت في المجالس التي ما زالت تفتقد نبرتك وفي الطرقات التي شهدت خطواتك وفي كل عطوة طُويت ببركة حضورك
وإن كان الحزن عظيماً فإن عزاءنا فيك أنك تركت إرثاً خالداً من الذكريات لا يُمحى، وورثت فينا من نسلك من يواصل مسيرتك وسيرتك، فهذا ابنك رعد الرجل المهذب صاحب الخلق الطيب، شيخ بأدبه وتواضعه، وهذا الصنديد الذي لم تخيّب به رجاءك يوماً معالي الدكتور رائد الذي صار كما كنت تحب وتتمنى، قامة علمية ومسؤولاً ناجحاً على نهجك ودربك يسير، وهذا الشبل المدلل الذي كان يملأ قلبك حباً الشاب الأنيق أمير، الذي حمل روحك في ملامحه وعنفوانك في ابتسامته، ثلاثتهم يعتزون بك، جعلوك مثالهم الأعلى، وحضورك رغم الفقد الكبير حاضر بوجودهم
ولأن الرثاء أضعف من أن يفيك حقك، ولأن الكلمات مهما اشتدت تبقى أصغر من مقامك، كان لا بد أن يكون الختام شعراً، علّ القافية تقول ما عجز عنه النثر
يا ساميَ العزِّ يا أسدَ السـرايا
يا نخوةً زانت رجـالَ الحمايا
يا رايةً عـلَت السـماءَ مهابةً تبكيكَ عيـونٌ لم تزل
بقايا
يا فارساً عجزت عـنه القوافـي
يا قمراً غابَ وما خبا
سنايا
لو أنّ دهراً يُشترى لفديتُ دهراً
لكنّه الموتُ لا يبيعُ
منايا
نم يا عظيمَ العدوانِ قريرَ عينٍ
فالمجدُ من بعدِكَ ثكـلٌ حزينُ
نم يا رفيقَ الدربِ في كلّ خطوٍ
والجرحُ في صدري لهيبٌ دفينُ
كم مجلسٍ أصلحتَه بعزيمـةٍ كم دمعةٍ جففتَها
والأنينُ
ستبقى ذكراكَ فينا منارةً ويظلُّ اسمُكَ خالداً
ياثمينُ
فسلامٌ على روحك الطاهرة يا طاهر القلب والسريرة