facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اللاسلم واللاحرب: انتظار قاتل ينهك الدول والمجتمعات


صالح الشرّاب العبادي
29-09-2025 09:55 AM

من أصعب المراحل التي تمر بها الدول والأمم تلك التي تقع بين الحرب والسلام؛ مرحلة اللاسلم واللاحرب ، فهي ليست هدنة ولا اتفاقًا، وليست حربًا معلنة، بل حالة استراتيجية قائمة بذاتها، تشبه الوقوف على حافة هاوية غامضة ، في هذه المرحلة لا يملك المجتمع يقينًا ولا الدولة أفقًا، وتتحول الحياة إلى حالة انتظار ممتد، أشبه بامتحان للأعصاب أكثر من كونه مواجهة مباشرة.

السياسة في زمن اللايقين

في ظل اللاسلم واللاحرب، يفقد القرار السياسي طابعه الاستراتيجي الطويل المدى ، تتحول القيادة من صناعة المبادرات إلى إدارة ردود الفعل، ويغدو ميزان القرارات أقرب إلى سياسة “اليوم بيومه” بدلًا من التخطيط المستقبلي. هنا يصبح الجمود هو القاعدة، ويُستنزف صانع القرار في الموازنة بين التردد والجرأة، خشية أن تؤدي أي خطوة خاطئة إلى الانزلاق نحو حرب غير محسوبة، أو إلى تنازلات تُفقد الدولة هيبتها.

الاقتصاد في حالة الجمود

الاقتصاد الوطني هو الضحية الكبرى لهذه المرحلة ، فالمستثمرون يؤجلون مشاريعهم، ورأس المال يهرب نحو بيئات أكثر استقرارًا، بينما تنفق الدولة موارد ضخمة على الاستعداد الأمني والعسكري بدلًا من التنمية ، هذا الإنهاك البطيء يؤدي إلى تباطؤ النمو، واتساع الفجوات بين الطبقات، وتراجع الثقة بالسوق ، وفي بيئة يغلب عليها الخوف من الغد، يتحول الاقتصاد إلى جسد متيبس، يفتقر إلى روح المبادرة والإبداع.

المجتمع بين الانتظار والخوف

المجتمع بدوره يدخل في دائرة اللايقين ، تنتشر الشائعات، وتتحول المجالس ووسائل الإعلام إلى ساحات للسيناريوهات السوداء ، يعيش المواطن في حالة من الترقب المرهق، فلا هو مطمئن إلى سلم ثابت ولا مستعد لحرب وشيكة ، الأخطر من ذلك أن هذه الحالة النفسية يمكن أن تتحول إلى نمط حياة، حيث يغدو الحذر المفرط والشك في المستقبل جزءًا من الهوية العامة. وعندها، يصبح المجتمع نفسه أسير الانتظار، عاجزًا عن الانطلاق أو الإبداع.

الأمن والاستنزاف البطيء

في الميدان الأمني والعسكري، تعيش الدولة حالة استنفار دائم. الجيوش تبقى في جاهزية قصوى، والأجهزة الأمنية في حالة يقظة مستمرة، لكن دون أن تُترجم هذه الحالة إلى ردع كامل أو حسم واضح. هنا يكمن أخطر ما في مرحلة اللاسلم واللاحرب: إنها حرب من نوع آخر، حرب استنزاف بطيء للموارد والطاقات، حرب نفس طويلة لا تنتهي بانتصار سريع، بل بمعركة أعصاب مفتوحة.

إدارة المرحلة: من الانتظار إلى الفعل

رغم قسوة هذه المرحلة، إلا أن إدارتها بحكمة يمكن أن تقلل من آثارها وتحوّلها إلى فرصة لتعزيز الصمود الداخلي. وهنا تبرز مجموعة من الحلول والإجراءات العملية على سبيل الحصر لا المجمل :
1. إدارة الموارد المالية بدقة: ضبط الإنفاق الحكومي وتوجيهه نحو القطاعات الحيوية، مع تقليل الهدر والاعتماد على خطط مالية مرنة تستوعب التقلبات.
2. الخطط الاقتصادية بخطط بديلة: إعداد خطط “طوارئ اقتصادية” متعددة السيناريوهات، بحيث تبقى هناك بدائل تضمن استقرار السوق في أصعب الظروف.
3. إدارة الموارد البشرية: الاستثمار في العنصر البشري عبر التدريب المستمر وتعزيز الكفاءات الوطنية، بحيث تبقى القوى العاملة قادرة على الابتكار والإنتاج رغم الضغوط.
4. ضبط الاتفاق بين المستويات العليا والواقع: على القيادات السياسية والإدارية أن تتواصل بشكل مباشر مع نبض المجتمع، وألّا تعيش في انفصام عن الواقع ، هذا التواصل يخلق ثقة داخلية تعزز مناعة الدولة أمام التحديات.
5. التقييم السريع للأوضاع ووضع خطط تسويقية متكاملة: السوق يحتاج إلى رسائل طمأنة وإجراءات عملية حتى لا يفقد توازنه. وهنا يبرز دور الإعلام الاقتصادي والسياسات الحكومية في تثبيت الثقة وضخ الحيوية في الدورة الاقتصادية.
6. الادارة الأسرية والمجتمعية وكذلك الاهتمام بالقطاعات التنموية ذات الانتاج الحقيقي وليس الوهمي .
7. الضبط والنظام والقضاء الصارم العادل والتسريع بالفصل بالقضايا العامة والخاصة خوفاً من الانزلاق في أنواع الجرائم المختلفة والتزييف والنصب والاختلال والاحتيال حيث تتحول المجتمعات في هذه المراحل إلى بؤر وخلايا قد تخرج عن القانون .
8. تطمين المجتمعات والمواطنين بالحقائق والمعلومات والتصريحات الصادقة وعدم دخولهم في أتون الشائعات التي تسري في هذه المراحل كالنار بالهشيم ..

صراع النفس الطويل

مرحلة اللاسلم واللاحرب هي امتحان للنفس الطويل، لكنها ليست قدرًا محتومًا. الدول التي تدير مواردها بدقة، وتبني خططًا بديلة، وتبقى قريبة من واقع شعبها، تستطيع أن تحوّل هذه المرحلة من انتظار قاتل إلى مدرسة للصمود والتماسك. فالرهان الحقيقي ليس فقط على تجنب الحرب، بل على بناء مناعة داخلية تُحصّن المجتمع والاقتصاد والسياسة من الانهيار في زمن اللايقين.

إن الخطر الحقيقي ليس في الحرب التي قد تأتي، بل في الانتظار الطويل لها. ومن يحسن إدارة الانتظار، يملك مفاتيح المستقبل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :