"المعلم الأردني" نبض الوطن ومفتاح المستقبل
فيصل تايه
05-10-2025 09:38 AM
في الخامس من تشرين الأول من كل عام، يطل علينا "يوم المعلم العالمي"، في مناسبة تتجدد فيها الاحتفالات لتكريم من حملوا على عاتقهم رسالة التعليم، وصاغوا المستقبل في عقول أبنائنا، وجعلوا من العلم طريقاً للنور والهداية.
الاحتفاء الدولي بالمعلمين، الذي تنظمه اليونسكو سنوياً، يذكرنا بأن التحديات مشتركة عالمياً، وأن تقديرهم وتمكينهم مسؤولية جماعية، وأن عقداً اجتماعياً جديداً للتعليم يضع المعلم في قلب صناعة القرار ويكفل إشراكه في رسم مستقبل التعليم .
احتفالات هذا العالم ستركز على موضوع "إعادة صياغة مهنة التدريس باعتبارها مهنة تعاونية"، مسلطة الضوء على الجانب المهني للمعلم ، بالتركيز على قدرة التعاون على إحداث تحول بالنسبة إلى المعلمين والمدارس والنظم التعليمية ، حيث إن إعادة صياغة التعليم باعتباره تعاونياً بطبيعته، ومدعوماً بالسياسات والممارسات والبيئات التي تقدر الدعم المتبادل ومشاركة الخبرات وتحمل المسؤوليات المشتركة، لهي أمر ضروري من أجل تعزيز مهنة التعليم والتعلم وتحقيق الازدهار المهني للمعلمين.
إن "المعلم" في الأردن ووفق خبرته الميدانيه وبرامج التنمية المهنيه التي تعمل على تطوير ادائه المهني ، يؤمن بأهمية التعاون في تطوير التعليم ، حيث يمكن للتعاون بين المعلمين والمدارس والنظم التعليمية أن يحقق تحولاً إيجابياً في الممارسة التعليمية ، لقناعاته أن التعليم لم يعد مهمة فردية بل رحلة جماعية تبنى على الدعم المتبادل وتبادل الخبرات وحمل المسؤولية المشتركة ، فمن منظور معلم اليوم ، يمثل هذا الشعار دعوة صريحة لتعزيز بيئات العمل التعاونية، حيث يمكن للمعلمين أن يتشاركوا الاستراتيجيات الناجحة، ويواجهوا التحديات بشكل جماعي، ويبدعوا في تطوير أساليب تعليمية تلبي احتياجات جميع الطلاب.
ان تطبيق شعار هذا اليوم عند "المعلم الأردني" يتجاوز الكلمات فهو ممارسة يومية اعتاد عليها منذ اليوم الأول لعمله كمعلم ، بعد ان اجتاز "الدورات التخصصيه" بمتابعة "الاسناد التربوي" ، اذ عمل على ذلك من خلال الاجتماعات التشاركية ، وفرق التعلم المهنية ، والمبادرات المشتركة داخل المدرسة وخارجها، كلها أدوات تجعل التدريس أكثر قوة وفعالية ، وهذا ما تؤكد عليه رؤية وزارة التربية والتعليم التي تعمل لجعل مهنة التدريس "تعاونية" بطبيعتها لقناعتها ان ذلك لا يدعم المعلم فحسب، بل يخلق نظاماً تعليمياً نابضاً بالحياة، قادراً على الابتكار والتكيف، ويضمن أن كل طالب يحصل على تجربة تعليمية ثرية ومتوازنة.
اننا ونحن نحتفل بهذه المناسبة كل عام ، فان تكرمنا "للمعلم الأردني" له "خصوصيه معتبرة" لانه ينبع من ايماننا العميق ان هذا التكريم ليس مجرد شعارات، بل هو تجسيد عملي لرؤية جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي جعل التعليم حجر الأساس لكل نهضة وطنية مستدامة، والمعلم محوراً لا غنى عنه في بناء حاضر الوطن ومستقبله ، فالمعلم، كما يؤكد جلالته، هو "الاستثمار الأسمى والكنز الأغلى"، إذ إن الاستثمار الحقيقي يبدأ بالإنسان ، والمعلم هو الركيزة الأولى في هذا الاستثمار ، ولذلك فإن الدولة عندما تضع المعلم في قلب خططها، فإنها لا تكرمه بقدر ما تكرم مستقبلها، ولا ترفعه بقدر ما ترفع شأن الوطن كله.
لذلك ، فقد تجسدت هذه الرؤية في خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع ، ذلك من خلال ما منح المعلم من تكريم خاصة "المكتسبات" التي اقرتها حكومة دولة الدكتور جعفر حسان ووفق توجيهات جلالةالملك ، فكان أبرزها مشروع تمليك الأراضي ، حيث كانت قد خصصت الحكومة "١٠٣٩" قطعة أرض لإقامة إسكانات للمعلمين في مختلف محافظات المملكة، بخصومات تصل إلى خمسين بالمئة من القيمة السوقية ، اذ ان هذه المبادرة ليست مجرد قرار إداري ، بل هي رسالة وفاء وتقدير لشريحة كرّست حياتها لتعليم الأجيال، وتأكيد أن من يزرع العقول يستحق أن يحصد الأمن والاستقرار. ولعل هذه المبادرة تقول للمعلم بلسان الوطن "كما أويت أبناءك بالعلم، نوفر لك اليوم مأوى يليق بمقامك وراحتك".
كما وان الدولة الاردنية ، كانت قد تبنت حزمة متكاملة من القرارات الداعمة للمعلمين، بدءاً من السلف المالية الطارئة، وزيادة مكرمة أبناء المعلمين في الجامعات، وصولاً إلى بعثات الحج وشمول الزوج والزوجة. وهكذا تصبح صورة المعلم الأردني نموذجاً للتمكين والتقدير، وتجسيداً لعلاقة متينة بين الدولة ومعلميها، حيث يُنظر إليه لا كموظف تقليدي، بل كصانع للنهضة ومؤسس لمستقبل الوطن ، إنه بحق جسر العبور من الأمس إلى الغد، واليد التي تمسك بمشعل الحضارة فلا ينطفئ.
نحن كاردنيين نؤمن ان المعلم الأردني هو "جندي المعرفة وحارس القيم" في مشروع التحديث الشامل، يحول التحديات إلى فرص، ويصنع من الصعاب دروساً في الصبر والإبداع ، ومن خلاله ينتقل الطلبة من مرحلة التلقي السلبي إلى مرحلة الابتكار والتحليل، ليكونوا مجهزين لمواجهة تحديات الألفية الثالثة، حاملين راية العلم، ورافعين قيم الأخلاق والانتماء ، فهو من يزرع الفكر، ويهذب الروح، ويصنع وعياً مستقبلياً، ويظل القلب النابض للتنمية المستدامة ، وهو الراعي الذي يسوق قافلة الأجيال نحو بر الأمان، والقدوة التي تترجم العلم إلى حياة، والمعرفة إلى نهضة.
إننا نعي ان احتفاءنا اليوم بالمعلم يتجاوز الكلمات إلى أفعال ملموسة، تترجم إلى سياسات وطنية داعمة تجعل دوره محوراً لكل نهضة وطنية ، فالمعلم ليس ناقلاً للمعرفة فحسب، بل قائد تعاوني يشكل جسور التعلم بين الزملاء، والمدرسة، والمجتمع، ويؤكد أن مستقبل التعليم يعتمد على قوة التعاون والابتكار المشترك.
كما وان الاستثمار في المعلم هو الاستثمار في الوطن، وهو القاعدة التي يقوم عليها كل تقدم حضاري، وكل نهضة تعليمية، وكل استراتيجية وطنية تسعى إلى التنافسية والإبداع ، فإذا أردت أن تقيس حضارة أمة، فانظر إلى مكانة معلمها ، وإذا أردت أن تقرأ مستقبل وطن، فاقرأ في وجوه معلميه.
في هذا اليوم العظيم ، نرفع القبعات إجلالاً لكل معلم ومعلمة في وطننا الأردني ، فلنرفع أصواتنا اليوم تحية شكر ومحبة لكل معلم أردني، لأنكم عماد الوطن وركنه الأساسي، وبناة الأجيال وصناع المستقبل، فعيدكم هو عيد الوطن، وحضوركم الضمانة الحقيقية لاستمرارية النهضة ، فلكم كل الحب والتقدير، ولكم من كل قلب وطني كلمة وفاء، ووردة عرفان، وشكر لا ينتهي، ولتظلوا كما أنتم ، السند الأمين، والعز الدائم، والنبض الحي لوطن لا ينهض إلا بكم، فأنتم الأصل في كل فخر، والجذر في كل نهضة، والسماء التي تظلل الأجيال أمناً وعلماً وكرامة.