facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي .. شريك وصانع قادة المستقبل


د. صالح سليم الحموري
05-10-2025 10:35 AM

يشهد العالم ثورة معرفية غير مسبوقة تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي، ثورة لا تغيّر فقط شكل أدواتنا التعليمية، بل تعيد تعريف معنى التعلّم والقيادة معًا. فالتعليم الذي كان يعتمد لعقود طويلة على قاعة الدرس والمناهج الموحدة صار اليوم مساحة حيّة تتفاعل فيها الخوارزميات مع العقول البشرية؛ ترصد قدرات كل متعلّم، وتتكيّف مع احتياجاته، وتقترح له مسارًا تعليمياً يخصه وحده. في هذا السياق، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ترف تقني أو إضافة اختيارية، بل أصبح شريكًا أساسيًا في صياغة بيئات تعليمية ذكية وصناعة قيادات المستقبل.

أهم ما أحدثه الذكاء الاصطناعي هو الانتقال من نموذج “مقاس واحد يناسب الجميع” إلى التعلّم التكيّفي، حيث تقوم الأنظمة بتحليل مستوى الطالب وتقدّمه لتقديم محتوى مصمم على قياسه، وتغنيه عن تكرار ما يتقنه، أو تعيده خطوة إلى الوراء إن احتاج إلى مزيد من التوضيح. وفي الجامعات، مكّن الذكاء الاصطناعي من تقييم فوري ذكي يصحح الإجابات ويفسّر الأخطاء ويقترح أنشطة علاجية، لتتحول عملية التقييم من مجرد إصدار حكم إلى عملية تعلم موازية ومتجددة. وظهرت إلى جانب ذلك مساعدات افتراضية تعمل على مدار الساعة، تشرح للطلاب المفاهيم المعقدة، وتعين الأساتذة على تحضير الدروس وتتبع التقدّم، بحيث يتفرغ المعلّم لما لا تستطيع الخوارزميات فعله: الإلهام، والتحفيز، وتغذية الفضول الإنساني.

ولم تتوقف التحولات عند حدود الصفوف الدراسية، بل امتدت إلى برامج تدريب القيادات وصناعة القادة. فقد بات الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحليل بيانات الأداء القيادي، واستخلاص نقاط القوة والضعف، وتصميم مسارات تطوير شخصية لكل قائد. وفتحت المحاكاة الافتراضية الباب أمام القادة للتدرّب على مواقف معقدة تحاكي أزمات واقعية، فيختبرون قراراتهم في بيئة آمنة ويتلقون تغذية راجعة دقيقة، ما يرفع جاهزيتهم لمواجهة التحديات الفعلية. كما تتيح أدوات التعلم المخصص بناء خطط تدريبية ديناميكية تتكيف مع احتياجات كل قيادي، مع إمكانية القياس الدقيق للأثر والنتائج، الأمر الذي يجعل الذكاء الاصطناعي بحقّ صانعًا لقادة المستقبل بقدر ما هو شريك في مسيرة التعليم.

ومع هذه الفرص الواسعة، تظهر أيضًا تحديات أخلاقية وتقنية، فالحفاظ على الخصوصية والعدالة، ومنع التحيّز الخوارزمي، وضمان تدريب المعلمين والمدربين على دمج الأدوات الذكية، كلها قضايا تستلزم سياسات واضحة وضوابط حوكمة رشيدة. لكن هذه المخاطر، على أهميتها، لا ينبغي أن تُبطئ وتيرة التبني، بل أن تحفّز على حلول استباقية توازن بين الابتكار والمسؤولية، وتضمن أن تبقى التكنولوجيا أداة تمكين لا مصدر تهديد.

وانطلاقًا من هذه المعطيات، أجد أنّ الإسراع في تبنّي الذكاء الاصطناعي في التعليم والتدريب وصناعة القيادات ليس خيارًا مؤجلاً، بل ضرورة حاضرة. فالمجتمعات التي تتردّد في إدماج هذه التقنيات تخاطر بفجوة معرفية ومهارية يصعب ردمها لاحقًا، بينما يتيح التبنّي السريع استثمار الوقت في التجريب، وبناء الأطر الأخلاقية، وتطوير المحتوى بما يواكب المستقبل. إنّ الرهان على الذكاء الاصطناعي هو في جوهره رهان على تعليم أكثر إنسانية وقيادة أكثر وعيًا، تعليم يحرّر المعلّم من الأعمال الميكانيكية ويعيد تركيزه على ما لا تستطيع الآلة محاكاته: الإبداع، والقيم، والحكمة.

وعليه، فإن الموقف السليم هو تسريع وتيرة الاستخدام مع يقظة تشريعية وأخلاقية، حتى يبقى التعليم والتدريب القيادي ميدانًا لصناعة الإنسان الحرّ القادر على قيادة الغد، مستفيدًا من الذكاء الاصطناعي لا خاضعًا له. وبذلك يغدو الذكاء الاصطناعي بحق شريكًا وصانعًا لقادة المستقبل، يمدّهم بالأدوات، ويحرّر قدراتهم، ويمنحهم أفقًا أوسع لقيادة عالم سريع التغير.

* مستشار التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :