غزة بين الرهائن والسلاح .. صفقة أم خدعة جديدة؟
فيصل تايه
06-10-2025 10:43 AM
بين وعود التسوية وضبابية المشهد ، تقف غزة اليوم عند مفترق دقيق وحاسم ، فبينما تروج التصريحات بأن "صفقة ترامب" قد تحمل بارقة أمل لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب، وتبادل الأسرى "أحياء وأموات" ، تكشف الوقائع أن طريق التنفيذ ما زال محفوفاً بالألغام السياسية والعسكرية ، فمسألة "الرهائن والسلاح" في غزة كانت على الدوام مرآة لصراع النفوذ والمصالح، حيث تتقاطع الأبعاد الإنسانية مع الحسابات الاحتلالية والاستراتيجية في مشهد بالغ التعقيد تتصارع فيه الإرادات على القرار والمصير.
التاريخ القريب يذكرنا أن أي تفاوض في هذا السياق لا يمكن أن يكون بريئاً ، فصفقة "عيدان الكسندر" كشفت أن الخديعة يمكن أن تغلف بعبارات إنسانية لتخدم أهدافاً أوسع ، واليوم ، وفي ظل ما يعرف بـ"خطة ترامب" الأخيرة ، يعاد المشهد بصورة أكثر تعقيداً ، فمن حيث ما أعلنه الرئيس الأمريكي "ترامب" ان "خطته" كفيلة بإنهاء الحرب خلال أيام إذا التزمت الأطراف بها، وأن إسرائيل وافقت مبدئياً على "خط انسحاب أولي"، فيما أبدت حماس استعداداً لمناقشة البنود المتعلقة بالرهائن ووقف إطلاق النار.
غير أننا نرى ان الواقع الميداني يكذب الهدوء المعلن ، فالقصف الإسرائيلي لم يتوقف ، وعمليات الاقتحام في القطاع ما زالت مستمرة ، والمساعدات الإنسانية تعترض أو تقيد في المعابر ، فيما يواصل المستوطنون استفزازاتهم اليومية في الضفة الغربية ، وبذلك فان هذه الممارسات لا يمكن النظر إليها إلا كاستفزازات ممنهجة تهدف إلى إفشال الخطة أو على الأقل تأجيل تنفيذها إلى حين إعادة تموضع إسرائيل عسكرياً وسياسياً ، لكننا نرى ان الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع العسكري باتت اليوم أكبر من أي وقت مضى ، وهو ما يضع إدارة ترامب في اختبار حقيقي بين الرغبة في إنجاز دبلوماسي وبين الاصطدام بعقيدة إسرائيل الأمنية التي ترفض الانسحاب قبل فرض شروطها بالكامل.
ترامب، في أكثر من مناسبة، دعا إسرائيل علناً إلى الالتزام بوقف العمليات "فوراً" بعد قبول حماس ببنود الاتفاق، ولوح بعواقب سياسية في حال استمرار التصعيد، إلا أن هذه التصريحات تبدو حتى الآن بلا آلية تنفيذية واضحة، فواشنطن تمتلك النفوذ، لكنها لا تملك وحدها القدرة على فرض التزامات حقيقية ما لم تدعم بضغط دولي من الأمم المتحدة والدول العربية والأوروبية ، وهنا تكمن معضلة الصفقة ، بين ما هو معلن وما هو ممكن.
إن الاستفزازات الإسرائيلية ، من استهداف الممرات الإنسانية إلى رفض الإشراف الدولي ، لا تعرقل فقط تنفيذ الخطة، بل تعيد إلى الأذهان تساؤلاً جوهرياً ، هل تمضي إسرائيل في طريق الخطة لتحقيق سلام مؤقت ، أم لتكريس واقع جديد من السيطرة الميدانية؟ هذه الازدواجية تتطلب من الفلسطينيين ومن العرب وعياً استراتيجياً يقظاً ، ومن المجتمع الدولي موقفاً أكثر وضوحاً وحزماً ، لأن أي تراخ في المراقبة والضغط سيحول الخطة إلى مجرد "هدنة شكلية" تخدم التوازن العسكري لا العدالة السياسية.
في المقابل وبعد ان أعلنت "حماس" موافقتها المبدئية على بنود الخطة، لكنها تشدد على رفض أي نزع شامل للسلاح قبل انسحاب كامل وإنهاء للحصار ، وهو ما يجعل التنفيذ مرهوناً بمبدأ التزام متبادل وضماناتٍ دولية فبدون رقابة صارمة وضمانات متعددة الأطراف ، من الأمم المتحدة، مصر، قطر، الاتحاد الأوروبي، وربما الولايات المتحدة نفسها ، سيظل احتمال الخديعة قائماً، كما حدث في اتفاقات سابقة انتهت بانفراد إسرائيل بالقرار والميدان.
من هنا، تبدو الحاجة إلى إنشاء آلية رقابة دولية فعالة، تشرف على مراحل الانسحاب وتسليم الرهائن والمساعدات، وتربط كل خطوة بتقارير علنية وجدول زمني محدد ، كما يجب أن تتضمن الخطة بنوداً جزائية واضحة ضد أي طرف يخرق الاتفاق ، سواء عبر وقف الدعم المالي أو فرض عقوبات دبلوماسية فورية ، فبدون هذه الآليات، ستظل الصفقة رهينة المزاج السياسي، لا التزامات القانون الدولي.
في المحصلة، خطة ترامب تحمل فرصة، لكنها أيضاً تحمل فخاً ، فنجاحها مشروط بمدى استعداد واشنطن والعالم لممارسة ضغط متوازن على إسرائيل ، وبمدى قدرة حماس والفصائل الفلسطينية على توحيد موقفها في إطار وطني جامع ، فالرهان على حسن النوايا وحده خطأ تكرر كثيراً في تاريخ الصراع، لذلك فإن الحذر والرقابة الدولية ليسا خياراً ، بل شرطاً أساسياً لإنقاذ الصفقة من مصير الخداع.
واخيرا ، انا اقول ، ان العالم اليوم أمام اختبار "أخلاقي" قبل أن يكون "سياسي" ، فإما أن تتحول خطة ترامب إلى بداية مسار جديد نحو سلام عادل وشامل ، أو أن تسجل في الذاكرة كخديعة جديدة اضيفت إلى سجل طويل من الوعود المكسورة.
والله بالغ امره