موقف "دولة الرئيس" .. ومهابة "مكانة المعلم"
فيصل تايه
07-10-2025 08:42 AM
بحضور دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ، وفي مشهد وطني مهيب يفيض بالوفاء ، أقامت وزارة التربية والتعليم احتفالاً مميزاً بمناسبة يوم المعلم العالمي ، تكريماً للمعلمين والمعلمات الذين حملوا مشعل العلم وأضاءوا دروب الأجيال عبر العقود ، حيث جاء هذا الاحتفال ليؤكد مرة أخرى أن المعلم في الأردن هو عماد بناء الدولة وأساس نهضتها وعنوان رسالتها التنويرية.
لم يكن حضور دولة رئيس الوزراء إلى الاحتفال مجرد أداء بروتوكولي او مشاركة رمزية ، بل كان موقفاً وطنياً شامخاً بليغ الدلالة ، يحمل في جوهره رسالة دولة عميقة وإرادة أمة ، وإعلان وفاء للمعلم الأردني ، ذلك أن الأردن "بقيادته الحكيمة ومؤسساته الراسخة" يؤمن بأن المعلم هو حجر الزاوية في مسيرة البناء، ومنارة الإصلاح، وحارس القيم الوطنية الأصيلة.
حين تقدم دولة الرئيس صفوف الحضور مصطحباً معه وزراء حكومته كافة ، كان "المشهد" جليلاً بكل تفاصيله "مشهد" لم تعرفه الساحة من قبل ، اذ تجسدت فيه هيبة الدولة ووحدتها ، فالدولة بكل أركانها حاضرة ، وفي المقدمة وقف رأس السلطة التنفيذية ومعه رجالات الحكومة "إجلالاً وتقديراً" لمن حملوا رسالة النور والعلم ، وشيدوا أركان المستقبل، وغرسوا في نفوس الأجيال معنى الانتماء والكرامة والعلم .
لقد تحول الاحتفال إلى مشهد وطني "خالد" يكتب في سجل الدولة الأردنية عنواناً جديداً للفخر والعطاء ، اذ لم يكن ذلك استعراضاً رسمياً بقدر ما كان إعلاناً صريحاً بأن الدولة الأردنية تؤمن ايماناً قاطعاً أن الأمة التي تعظم معلمها هي أمة تعظم مستقبلها ، فهي لا تكرم فئة من أبناء الوطن فحسب ، بل تكرم ضميره الحي وعقله المبدع ، وتصون جوهر نهضته المتمثل في "المعلم" ، الذي صنع مجد الأردن بعقله وضميره ، وشكل الركيزة الصلبة لبناء الإنسان وصون الهوية الوطنية .
اليوم ، تجسدت وحدة الدولة والشعب حول قيمة التعليم، وترسخت في الوجدان الجمعي حقيقة أن "المعلم" هو الركيزة الأولى لنهضة الوطن ، وأن الدولة بكل مؤسساتها تضعه في قلب أولوياتها وسياساتها، فقد قال الحضور الجماعي للحكومة ما لم تقله الكلمات ، وبمعنىً يتجاوز الصورة إلى المضمون ، أن المعلم في الأردن ليس وحده في الميدان، بل إن الدولة بكل مؤسساتها تقف خلفه، تحمي مكانته وتكرس دوره، وتؤمن أن مسيرة الوطن تبدأ من بين يديه.
ان تكريم كوكبة من المعلمين المتميزين الذين قدموا عصارة جهودهم وخبرتهم وإخلاصهم في خدمة الميدان التربوي ، اضافة الى نخبة من المعلمين الاوائل المتقاعدين "من كبار السن" الذين أفنوا أعمارهم في خدمة التربية والتعليم ، تقديراً لعطائهم الذي لا يقاس بسنوات، بل بما زرعوه من قيم وفضائل في نفوس أبنائنا ، لهي مبادرة إنسانية لاقت صدىً طيباً بين التربويين وابناء الوطن ، وأملاً بأن تتسع في المستقبل لتشمل أعداداً أكبر من المعلمين الذين قدموا أعمارهم وجهودهم في سبيل رسالة التعليم النبيلة.
ان العرض الشامل الذي قدمه وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة للإجراءات والمبادرات التي اتخذتها الدولة لدعم المعلمين وتحسين ظروفهم المعيشية والمهنية ، ودعمهم مادياً ومعنوياً ، ليست تفضلاً من الدولة ، بل واجب وطني وإنساني وأخلاقي ، فمن تخصيص قطع أراض بأسعار مدعومة ، وتوفير سلف مالية طارئة ، وزيادة نسبة المكرمة الملكية لأبناء المعلمين في الجامعات ، ورفع نسبة المنح والقروض المخصصة لهم ، وشمول الزوج والزوجة ببعثات الحج ، بالإضافة إلى مبادرات تعنى بتأهيلهم وتدريبهم المستمر ، وصيانة أندية المعلمين، وتوسيع البرامج التعليمية النوعية التي تعزز مكانة المربي وتطور مهاراته ، خطوات ليست مجرد مكافآت ، بل هي استثمار في الإنسان الذي يصنع على يديه مستقبل الوطن.
لقد جسد هذا الحفل توجهاً وطنياً صادقاً بأن الاهتمام بالمعلم هو الطريق الأقصر لنهضة التعليم ، وأن النهضة التعليمية تبنى بالعقول والقلوب التي تؤمن بالرسالة ، فكل إنجاز وطني يبدأ من غرفة صف فيها معلم صبور يؤمن أن التغيير يبدأ من الكلمة، ومن النظرة التي تزرع الثقة في عيون الطلبة ، ومن بين يدي من يزرع في الأجيال حب الوطن ومعاني الإخلاص والعطاء .
وأخيرا ، فإن هذا الاحتفاء ليس مجرد مناسبة سنوية، بل هو تجديد لعهد الوفاء والاحترام ، بل هذا تذكير بأن الأمم لا تنهض إلا حين تكرم معلميها وتمنحهم المكانة التي يستحقونها ، فالمعلم هو أول من يحضر إلى ساحة العطاء وآخر من يغادرها ، لذلك فإننا، ونحن نقرأ مشهد هذا الاحتفال المهيب، نستشعر أن الوطن يسير في الاتجاه الصحيح حين يجعل من المعلم حجر الأساس في مشروع النهضة الوطنية، وحين يعيد له مكانته وهيبته وقدره الذي يليق برسالته الخالدة ، ذلك تذكير بأن الأمم لا تنهض إلا حين تكرّم معلميها وتمنحهم المكانة التي يستحقونها ، فالمعلم هو أول من يحضر إلى ساحة العطاء وآخر من يغادرها .
هذه تحية إجلال لكل معلم ومعلمة حملوا الأمانة بإخلاص ، وصنعوا من حروفهم جسوراً للمستقبل، وتركوا بصمتهم في وجدان كل طالب صار اليوم قائداً أو مبدعاً أو خادماً مخلصاً لوطنه ، وتحية تقدير لكل معلم متقاعد ما زال صدى عطائه يتردد في الذاكرة، فأنتم الأصل والقدوة، وبكم يزهو الأردن علماً وتربية وخلقاً .
والله ولي التوقيق