facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العرب والولايات المتحدة: علاقة الهيمنة والمصالح


م. عبدالفتاح الدرادكة
08-10-2025 02:52 PM

منذ منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا، باتت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأولى في العالم بلا منازع، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. هذه الحقيقة لا يمكن إنكارها، سواء قبلنا بها أم رفضناها، إذ إن مظاهر السيطرة الأمريكية واضحة في كل ركن من أركان النظام الدولي.

على الصعيد العسكري، تبرز الولايات المتحدة بوصفها صاحبة اليد الطولى. فهي تملك ما لا يقل عن إحدى عشرة حاملة طائرات عملاقة تجوب بحار ومحيطات العالم، وترافقها أساطيل كاملة من البوارج والطرادات والغواصات النووية والطائرات الحديثة. في المقابل، لا تملك روسيا سوى حاملة طائرات واحدة، وهي بلا شك أقل قدرة وكفاءة من حاملات الولايات المتحدة، بينما تملك بريطانيا حاملتين وفرنسا حاملة واحدة . هذا التفاوت الصارخ يعني أن توزيع القوة البحرية في العالم يكرس الهيمنة الأمريكية المطلقة. فحيثما تتحرك حاملة الطائرات الأمريكية، تتحرك معها ترسانة من الأسلحة النووية والقدرات الجوية المتفوقة، ما يجعل وجودها بمثابة “احتلال للعالم” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لكن الهيمنة الأمريكية لا تقتصر على السلاح وحده، بل تمتد إلى الاقتصاد، الذي يشكل العمود الفقري للقوة الأمريكية. ففي 15 أغسطس 1971، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ما عُرف تاريخياً باسم “صدمة نيكسون”، حين أنهى قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى الذهب. بذلك، انتهى نظام بريتون وودز الذي كان يجعل الذهب أساساً لنظام العملة العالمية. لم يصرّح نيكسون مباشرة بأن الاقتصاد الأمريكي أصبح مرجع الاقتصاد العالمي بدلاً من الذهب، لكنه في الواقع جعل الدولار عملة عائمة غير مرتبطة بمخزون الذهب. هذا القرار أحدث تحوّلاً تاريخياً، إذ غدا الاقتصاد الأمريكي مرجعاً للاقتصاد الدولي، وأصبح الدولار أداة الهيمنة الاقتصادية بلا منازع. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لم تكتفِ بالسيطرة العسكرية، بل فرضت نفسها أيضاً قطباً اقتصادياً أوحداً، واحتلت العالم من بوابة المال كما احتلته من بوابة السلاح.

أما في العلاقات الدولية، فإن التعامل مع الولايات المتحدة لا يخضع إلا لمصالحها الخاصة، ولا يأخذ في الاعتبار مصالح الأطراف الأخرى، سواء كانوا حلفاء أو خصوماً. ففي أي وقت، يمكن للإدارة الأمريكية أن تضرب عرض الحائط أي مبادئ أو اتفاقيات، إذا وجدت أنها لا تخدم مصالحها المباشرة. والأمثلة على ذلك كثيرة:

تخلت عن النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية اثر هزيمتها في الحرب الفيتنامية عام 1975 بعد دخول فوات فيتنام الشمالية العاصمة سايغون وتوحيد فيتنام

تخلّت واشنطن عن شاه إيران، الذي كان يُوصف بأنه “شرطي الخليج” وحليفها الأقوى في المنطقة، عندما وجدت أن مصالحها تقتضي غير ذلك.

دعمت بريطانيا في حربها ضد الأرجنتين على جزر الفوكلاند عام 1982، رغم أن النظام الأرجنتيني في ذلك الوقت كان إلى حد كبير من صناعة الولايات المتحدة نفسها.

والأخطر، سماحها لإسرائيل بالاعتداء على قطر مؤخراً، رغم أن الدوحة تُعدّ – في الظاهر – حليفاً لواشنطن في المنطقة.

هذا السلوك يعكس حقيقة ثابتة: أن واشنطن لا تحفظ عهداً ولا تلتزم باتفاقية إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها الخاصة. وقد عبّر عن ذلك بوضوح “سكوت ريتر”، وهو ضابط مخابرات أمريكي سابق، عندما قال بكل عنجهية إن قطر ليست حليفة للولايات المتحدة بل مجرد أداة من أدواتها في المنطقة. هذه التصريحات تكشف بجلاء طبيعة النظرة الأمريكية للعالم: ليست هناك صداقات دائمة، بل مصالح دائمة.

وفي قلب هذه المصالح، تبرز إسرائيل باعتبارها أهم أداة أمريكية في الشرق الأوسط. فمنذ قيامها، تلقت إسرائيل دعماً غير محدود سياسياً وعسكرياً واقتصادياً من الولايات المتحدة، التي تعتبرها ركيزة أساسية لاستراتيجيتها في المنطقة. الحفاظ على تفوق إسرائيل وضمان استمرارها قوةً إقليميةً مهيمنة يعد مصلحة أمريكية عليا، والغاية من ذلك إبقاء الأمة العربية في حالة ضعف وتفكك، بحيث تظل عاجزة عن النهوض أو تشكيل تهديد حقيقي للسيطرة الأمريكية.

العرب، من جانبهم، ظلوا في الغالب يتعاملون مع الولايات المتحدة بقدر كبير من التبعية أو الرهان الخاسر. فبدلاً من بناء منظومة عربية مستقلة تراعي مصالحهم المشتركة، اعتمدت كثير من الأنظمة العربية على التحالف مع واشنطن أملاً في الحماية أو الدعم السياسي، متجاهلة أن الولايات المتحدة لا تقدم شيئاً مجاناً، وأنها في النهاية تبحث عن مصالحها فقط. هذه التبعية جعلت العالم العربي ساحة مفتوحة للمشاريع الأمريكية، سواء في شكل قواعد عسكرية، أو ضغوط اقتصادية، أو تدخلات سياسية مباشرة.

إن علاقة العرب بالولايات المتحدة، إذاً، ليست علاقة ندّية متوازنة، بل علاقة قوة وهيمنة من طرف، وضعف وتبعية من طرف آخر. أمريكا تحتل العالم عسكرياً واقتصادياً، وتفرض شروطها السياسية بلا اعتبار لغيرها. وللأسف، العرب، بدلاً من أن يسعوا لبناء مشروعهم المستقل، ظلوا أدوات في يد القوة العظمى، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها، وعلى رأسهم إسرائيل.

وفي المحصلة، ما لم يُدرك العرب أن الولايات المتحدة لا ترى فيهم سوى أدوات لخدمة مصالحها، وما لم يسعوا لبناء بدائل حقيقية تحقق استقلالهم الاستراتيجي، فإن هذه العلاقة ستبقى علاقة تبعية لا ندّية، علاقة تُبقي الأمة في سباتها، وتمنح الولايات المتحدة وإسرائيل مزيداً من الوقت لتكريس هيمنتهما على المنطقة والله من وراء القصد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :