facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل تجاوزت وزارة الداخلية اختصاصها ؟


فيصل تايه
09-10-2025 09:42 AM

عطفاً على مقالي السابق، والمتعلق بمبادرة وزارة الداخلية لتنظيم بعض الظواهر الاجتماعية في الأعراس والجاهات وبيوت العزاء والمهور، وفي خضم الجدل الدائر حول ذلك، يبرز تساؤل متكرر من البعض: هل يحق لوزارة الداخلية أن تتدخل في مثل هذه الشؤون التي تعد من عادات الناس وتقاليدهم؟

سؤال يبدو في ظاهره منطقياً، لكنه في حقيقته يغفل الدور العميق الذي تضطلع به وزارة الداخلية في حماية المجتمع من الاختلالات التي تمس نسيجه واستقراره، فوزارة الداخلية ليست جهة أمنية فقط، بل هي الجهة التي ترى المجتمع من الداخل، من تفاصيله اليومية، ومن مشهد القرية والحي والعشيرة والمخيم والمدينة، وهي المؤسسة التي تتابع نبض الناس من خلال الحكام الإداريين والمجالس التنفيذية والمحلية، وتشرف على الحياة الاجتماعية في كل محافظة ولواء وقضاء.

اننا وفي زمن تتسارع فيه المظاهر وتثقل فيه الأعباء الاجتماعية على الناس، نحتاج الى مثل هذه المبادرة الإنسانية "غير الملزمة"، والتي ولدت من رحم الواقع، ومن قلب المؤسسة الأقرب إلى نبض المجتمع، لتضع الأمور في نصابها الصحيح، وتعيد التوازن إلى عادات كادت تفقد معناها، ولتقول بلغة الإصلاح والوعي، ان "كرامة الإنسان فوق كل مظاهر التفاخر والتكلف"، لا لأنها تسعى إلى فرض وصاية كما "يفسرها" البعض، بل لأنها تتحمل مسؤولية السلم الاجتماعي والوعي الجمعي، اذ ان الأعراس وحين تتحول إلى مظاهر تبذير، وتقام الجاهات بمئات الأشخاص، وتصبح المهور عبئاً يثقل كاهل الشباب، وحين تتحول بيوت العزاء إلى مناسبات مكلفة بدل أن تكون مواساة، فإننا لا نتحدث عن عادات فحسب، بل عن ظواهر اقتصادية واجتماعية تمس الأمن الوطني في عمقه.

وهنا تتدخل الدولة ، لا لتصادر عادات الناس، بل لتعيدها إلى معناها الإنساني الأصيل ، اذ ان التقاليد لم تخلق لتستنزف جيوب الناس ، ولا لتكرس التفاوت بين غني وفقير ، فمن غير المقبول أن تكون مظاهر الفرح مباحة لأصحاب المال والجاه ، ومحظورة على البسطاء الذين يخجلون من ضيق ذات اليد ، لذلك فان هذه المبادرة جاءت لتقول إن الفرح حق ، والحزن وقار ، والعلاقات الاجتماعية تكافل لا تنافس.

ولعل ما يميز هذه الخطوة أنها انطلقت من وزارة سيادية تمثل ميدان الدولة الحقيقي ، ومن وزارة تعرف تفاصيل المجتمع وتدرك حجم الأعباء التي يتحملها الناس ، اذ انها مبادرة للإصلاح الاجتماعي بروح إنسانية، تمزج بين الوعي الرسمي ووجدان المواطن ، وتدعو الجميع "أفراد ومؤسسات ووجهاء وشيوخ" إلى أن يكونوا شركاء في التغيير .

من هنا فان من السهل أن ننتقد ، لكن الأصعب أن نبادر ،
ومن الأسهل أن نتمسك بعادات فقدت معناها، لكن الأصعب أن نعيدها إلى قيمتها الأولى ، وهذا بالضبط ما فعلته وزارة الداخلية ، فهي لم تفرض ، بل دعت ، ولم تصدر تعليمات إلزامية، بل قدمت رؤية وطنية راقية تدعو إلى التوازن والبساطة والعقلانية.

وأقول هنا : إن من يقول إن المبادرة ليست من اختصاص الداخلية ، عليه أن يعيد تعريف “الاختصاص”، فحين تهدد المغالاة وحدة المجتمع، يصبح التدخل واجباً وطنياً لا ترفاً إدارياً ، وحين تتعب الأسر من المظاهر المبالغ فيها، تصبح الدعوة إلى التبسيط مسؤولية دولة بأكملها.

ومن المهم أن نوضح هنا أن هذه المبادرة ليست محاولة للسيطرة على مفاصل الحياة الاجتماعية كما يظن البعض، بل هي محاولة صادقة لإعادة التوازن إلى العلاقات بين الناس ، فالدولة لا تتدخل لتتحكم، بل لتصلح، ولا تفرض وصايتها على الناس، بل تحميهم من ضغوط العادات التي أثقلت كاهلهم.

كما وان "وزارة الداخلية" هنا لم تتجاوز اختصاصها، بل مارسته بأرقى معانيه ، فهي لا تتحدث عن الأمن بالمفهوم الضيق ، بل عن “الأمن الاجتماعي” الذي يضمن استقرار الأسر، ويخفف عنهم أعباء التكاليف المفرطة في المناسبات. وعندما تسعى الوزارة إلى إعادة الاعتدال إلى عاداتنا، فإنها لا تصادر الفرح ، بل تنظمه ليبقى متاحاً للجميع، غنياً كان أو بسيطاً .

من الخطأ أن نرى في هذه المبادرة تقييداً لحريات الناس، بل هي في حقيقتها توسيع لمساحة الكرامة الإنسانية ، اذ ان الدولة وحين تحمي المواطن من إرهاق العادات، فإنها لا تقيده ، بل تنقذه من ضغط المجتمع عليه ، لكنها تقول له : افعل ما تشاء، ولكن بعقل ورحمة، لا بمظاهر تقتلك أو تحرجك.

إن هذه الخطوة الإيجابية من وزارة الداخلية تعيد ترميم العلاقات الاجتماعية على أساس التكافل لا التفاخر، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل لا التباهي، وهي رسالة بأن الدولة ما زالت تضع الإنسان في قلب القرار، والمجتمع في صميم اهتمامها ، فمن هنا نقول بكل وضوح ، إن وزارة الداخلية لم تخرج عن اختصاصها، بل عادت إلى صميم دورها الحقيقي ، وهو صون المجتمع وتنظيم حياته بروح من العدالة والإنسانية.

ولأن الأفكار الكبيرة لا تنجح إلا بوجود رجال يؤمنون بها ويقودونها بصدق ووعي ، فلا بد من توجيه الشكر والتقدير إلى معالي وزير الداخلية الذي حمل هذه المبادرة بعقلية المصلح لا بعقلية الإداري ، فكان واعياً بحجم التحولات الاجتماعية، مدركاً أن الأمن الحقيقي يبدأ من استقرار الأسرة والمجتمع ، وإلى كل الذين صاغوا رؤية واقعية متوازنة تمس حياة المواطن الأردني مباشرة وتستجيب لهمومه المعيشية.

هذه المبادرة ليست ورقة إدارية، بل مشروع وطني يعكس إرادة دولة تؤمن بأن الإصلاح الاجتماعي لا يقل أهمية عن الإصلاح السياسي والاقتصادي ، لذلك فانها خطوة في الاتجاه الصحيح، تستحق أن تتسع لتصبح ثقافة عامة ، وأن تتحول من قرار إداري ، وإلى وعي شعبي دائم ، حتى تبقى قيم التكافل والبساطة والكرامة هي القاعدة التي يبنى عليها المجتمع الأردني الأصيل.

فالإصلاح حين يولد من الوعي ، لا من الاضطرار، يكون بداية طريقٍ طويل نحو مجتمع أكثر تماسكاً وعدالة وإنسانية.

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :