زيارة سمو ولي العهد إلى فرنسا: تعزيز الشراكة في ضوء التحولات الإقليمية
د.مأمون الشتيوي العبادي
09-10-2025 06:17 PM
تأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى فرنسا في أكتوبر 2025 في إطار العلاقات التاريخية الراسخة بين المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية الفرنسية، والتي تمتد لعقود من التعاون السياسي، والاقتصادي، والثقافي. وقد عكست الزيارة الأخيرة عمق هذا التعاون واستشرافه للمستقبل، من خلال لقاءات رسمية مع القيادة الفرنسية ومؤسسات اقتصادية وريادية رائدة، بما ينسجم مع الرؤية الملكية الهاشمية في تعزيز الشراكات الدولية وتنمية الاقتصاد الوطني القائم على الابتكار والتكنولوجيا.
أولاً: السياق العام للزيارة وأهميتها السياسية
تندرج الزيارة الرسمية لسمو ولي العهد إلى فرنسا ضمن الجهود الأردنية المستمرة لتوطيد العلاقات الثنائية مع القوى الأوروبية الفاعلة، ولا سيما فرنسا التي تعد شريكاً استراتيجياً للأردن في المنطقة. وقد استُقبل سموه في قصر الإليزيه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية، خصوصاً في ظل الأوضاع المتوترة في غزة والمنطقة العربية.
وخلال اللقاء، نقل سمو ولي العهد تحيات جلالة الملك عبد الله الثاني وتقديره لمواقف فرنسا الداعمة للسلام ولحل الدولتين، كما تم التأكيد على أهمية تنسيق المواقف الدولية لدعم القضية الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. هذه المباحثات أكدت مجدداً الدور المحوري للأردن في المنطقة، بوصفه صوتاً عقلانياً يسعى لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، بالتوازي مع تعزيز حضوره الدبلوماسي على الساحة الأوروبية.
ثانياً: الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية للزيارة
تميزت الزيارة بتركيز واضح على ملفات الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، وهو ما يعكس اهتمام سمو ولي العهد بتمكين الشباب الأردني ودعم الابتكار كأداة للتنمية المستدامة.
فقد زار سموه مركز “Station F” في باريس، وهو أحد أبرز الحاضنات العالمية للشركات الناشئة، حيث التقى رواد أعمال ومسؤولين فرنسيين لمناقشة سبل التعاون في مجال الابتكار التكنولوجي، وتبادل الخبرات حول سياسات دعم المشاريع الريادية.
وتنسجم هذه الزيارة مع رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية التي أُطلقت عام 2022، والتي تركز على بناء اقتصاد إنتاجي قائم على المعرفة والمهارات الرقمية. كما أبدى الجانب الفرنسي اهتماماً بتوسيع التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والبنية التحتية، بما في ذلك دعم مشروع تحلية مياه البحر من العقبة إلى عمّان، الذي يعد من المشاريع الاستراتيجية الكبرى للأردن في مجال الأمن المائي.
ثالثاً: البعد الثقافي والعلمي في العلاقات الأردنية-الفرنسية
لم تقتصر زيارة سمو ولي العهد على الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب، بل تطرقت أيضاً إلى أبعاد ثقافية وتعليمية. فقد أكد سموه، خلال لقاءاته مع المسؤولين الفرنسيين، أهمية تبادل الخبرات الأكاديمية والتكنولوجية، وتشجيع التعاون بين الجامعات الأردنية والفرنسية.
كما أشاد بالدور الذي تقوم به المؤسسات التعليمية والثقافية الفرنسية في الأردن، مثل المعهد الفرنسي في عمّان، في دعم الحوار الثقافي وتطوير الكفاءات اللغوية لدى الشباب الأردني.
وفي هذا السياق، تم التأكيد على أهمية تطوير برامج مشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي، والتعليم المهني، بما يسهم في بناء جيل من الشباب يمتلك أدوات المستقبل، وقادراً على المنافسة في سوق العمل العالمي.
رابعاً: الدلالات الاستراتيجية وآفاق التعاون المستقبلي
تحمل زيارة ولي العهد إلى فرنسا دلالات استراتيجية متعددة، فهي تمثل امتداداً للسياسة الأردنية القائمة على الانفتاح والتعاون الدولي، وتعكس انتقال الأردن إلى مرحلة جديدة من الدبلوماسية الشبابية والفاعلة، بقيادة سمو ولي العهد الذي يجسد نموذجاً للقيادة العصرية المرتكزة على العمل والابتكار.
كما أن الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الأردنية-الفرنسية، تتجاوز الأطر التقليدية إلى مجالات أكثر تقدماً تشمل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، وريادة الأعمال. ومن المتوقع أن تثمر اللقاءات التي أجراها سموه عن برامج تعاون ثنائية جديدة تدعم الاقتصاد الأردني وتفتح آفاقاً أوسع أمام الشباب في مجالات التدريب والتوظيف.
يمكن القول إن زيارة سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى فرنسا تمثل خطوة متقدمة في مسار العلاقات الأردنية-الفرنسية، بما تحمله من أبعاد سياسية، اقتصادية، وثقافية متكاملة. وقد عكست هذه الزيارة صورة الأردن الحديثة، الطامحة إلى التنمية والابتكار والانفتاح على العالم، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي عهده الأمين.
ومع استمرار هذه الجهود، يرسخ الأردن مكانته كشريك موثوق وفاعل على الساحة الدولية، ومركز إقليمي للتعاون بين الشرق والغرب.