الأردن .. بلد العطاء الذي لا ينتظر الشكر
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
13-10-2025 09:19 AM
كثر في الآونة الأخيرة أن يُثار في الخطاب العام تساؤل غريب: "لماذا لم يشكرنا هذا المسؤول أو ذاك الزعيم؟" وكأن قيمة الأردن تُقاس بعبارة شكرٍ تُقال في مؤتمرٍ أو في تصريحٍ عابر. والحقيقة أن هذا المنطق لا يليق بدولةٍ بحجم الأردن، ولا بتاريخها، ولا بعطائها الذي يتجاوز حدود الكلمات والمجاملات.
فالأردن، منذ نشأته، لم يكن يومًا باحثًا عن شكرٍ أو عرفان، بل كان يقوم بدوره القومي والإنساني بكل ما يملك من إيمانٍ ومسؤولية. احتضن الأشقاء في أزماتهم، وكان محطة انطلاقٍ وملاذًا آمنًا للاجئين من فلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق، فكان لهم وطنًا وسندًا وملجأً حين ضاقت الأوطان بأبنائها. فتح بابه دون حسابٍ للمصالح، وشارك بخيره المحدود ليقدّم نموذجًا فريدًا في الشهامة والمروءة والكرم العربي الأصيل.
ولم يكن الأردن فقط مأوى للمحتاجين، بل كان الدرع الحصين والحيّز الآمن للأشقاء في المملكة العربية السعودية، والمملكة البحرينية، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، إذ أفنى شبابه جلّ أعمارهم في بناء أوطان غيرهم بإخلاصٍ وتفانٍ نادرين.
وهكذا ظل الأردني أينما حلّ رمزًا للعمل والولاء والصدق في العطاء.
أما القيادة الهاشمية، فكانت وستبقى قدوةً في بث الخير ومدّ يد العون، عربًا وعجمًا، فالأردن الصغير بمساحته وموارده كان دائم الحضور في ميادين المروءة الإنسانية.
شارك في إخماد الحرائق في شتى دول العالم، وساهم في مساندة الدول المنكوبة بالحروب أو بالكوارث الطبيعية، مؤكدًا أن عظمة الأوطان لا تُقاس بالمساحة ولا بالثروة، بل بالفعل الإنساني النبيل.
إن الدول تُقاس بثبات مواقفها ومبادئها، لا بما يُقال عنها في نشرات الأخبار أو على المنصات. والأردن اليوم، كما كان دائمًا، يختار طريق الصواب والعمل الهادئ البنّاء، مؤمنًا أن الواجب يُؤدى بإخلاصٍ لا بمقابل، وأن من يخدم قضايا الأمة والإنسانية لا يبتغي إلا رضا الله والوطن.
فلنترفع عن ثقافة الانتظار، ولندع الآخرين يقولون ما يشاؤون. فالأردن أكبر من أن يبحث عن الثناء، وأعمق من أن تُحدّد قيمته بكلمة شكر.
يكفينا أن نعلم أننا نزرع الخير، ونصنع الفارق، ونبقى كما عهدتنا الأمة: وطن العطاء الذي لا ينتظر الشكر، بل يستحقه من الجميع.