facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة متأنية في خطاب (ترامب و نتنياهو) بالكنيست الإسرائيلي


فيصل تايه
14-10-2025 09:40 AM

في مشهد سياسي متخم بالرمزية والدلالات، شهد الكنيست الإسرائيلي يوم امس الإثنين الثالث عشر من أكتوبر ٢٠٢٥ ، لحظة استثنائية جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في خطابين متتابعين ، حملا في طياتهما ما هو أبعد من الكلمات وما وراء الشعارات ، اذ لم يكن الأمر مجرد مناسبة بروتوكولية أو استعراضٍ للعلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب ، بل كان عرضاً متقناً لتشابك المصالح ، وتبادل الأدوار في إعادة صياغة المشهد الإقليمي والسياسي بعد مرحلة من التوترات والحروب التي دفعت المنطقة كلها إلى حافة الانفجار .

"نتنياهو" ، الذي اعتلى المنصة أولاً ، بدا كما لو أنه يكتب فصلاً جديداً في سرديته الشخصية والسياسية ، اذ تحدث بثقة مفرطة، مستخدماً "لغة الزعيم" الذي يطل على شعبه من موقع المنتصر ، محملاً كلماته بنبرة العزة والهيمنة ، فلم يكن خطابه وصفاً لمرحلة أو عرضاً للحقائق ، بل إعادة إنتاج لسردية القوة الإسرائيلية في مواجهة العالم ، بقدر ما كان محاولة لتكريس رواية تتجاهل تماماً الجانب الإنساني والسياسي للقضية الفلسطينية ، حيث استعمل عبارات مثل "نحن”، شعبنا ، أمتنا"، ليبني جداراً نفسياً حول الجمهور الإسرائيلي ، وكانه اراد ان يختزل فيه "إسرائيل" في شخصه ، والانتصار في رمزيته الفردية.

ان اختيار "نتنياهو" للكنيست مكاناً لهذا الخطاب لم يكن عفوياً ، فالقبة التشريعية التي تمثل الدولة أرادها "نتنياهو" أن تكون مسرحاً لتتويج سلطته، وأن يتحول المشهد السياسي إلى لوحة رمزية تعلن إسرائيل دولة منتصرة ، ما يبرز البعد الدعائي في الخطاب أكثر من بعده السياسي ، إذ تعمد أن يصوغ لحظته كملحمة وطنية، يغيب فيها النقد ويختزل فيها الواقع في صورة القوة والنجاح ، لكن خلف هذا الاستعراض ، تختبئ محاولات واضحة للهروب من الأسئلة الكبرى منها ما هو متعلق بمصير الفلسطينيين؟ وحقوقهم في خضم هذا "السلام" الذي يتحدث عنه؟ فحين يتحدث "القائد" عن النصر متجاهلا المأساة التي خلفتها الحرب ، يصبح الخطاب أقرب إلى رواية أحادية تغيب الضحية وتكرس القوة على حساب العدالة.

لكنه وعندما انتقل إلى الحديث عن الأسرى والجنود العائدين ، استخدم العاطفة كأداة سياسية، محاولاً تحويل اللحظة إلى رمز وطني يوحد الداخل ويسكت الأصوات المعارضة ، ولكن ما لم يقله كان أكثر أهمية مما قاله، فغياب أي إشارة إلى المأساة الإنسانية التي خلفتها الحرب يوضح أن الهدف من الخطاب لم يكن التهدئة أو المصالحة الداخليه ، بل ترسيخ الصورة الدعائية للانتصار والسيطرة ، وهنا تتجلى المفارقة الأخلاقية الكبرى ، فبينما يتحدث عن "سلام قادم"، يرسخ في الوعي الجمعي فكرة أن هذا السلام لا يمنح إلا من موقع القوة ، متجاهلاً أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يولد من رحم القهر أو الإقصاء .

الى ذلك ، جاء خطاب الرئيس الأمريكي "ترامب" بعده امتداداً طبيعياً لهذا المشهد ، بل يمكن القول إنه كان "الوجه الأمريكي للخطاب الإسرائيلي" اذ افتتح الرئيس الأمريكي كلمته بوصف "اتفاقية" وقف إطلاق النار بأنها "فجر تاريخي" لشرق أوسط جديد ، مؤكداً على أن "السماء هادئة" ، و"الأسلحة صامتة"، و"الصفارات توقفت"، والشمس تشرق على أرض مقدسة أخيراً في "سلام" ، اذ ان هذا الوصف يعكس استراتيجية دعائية واضحة تهدف إلى تقديم "ترامب" نفسه كوسيط دولي محوري ، وإضفاء هالة من الشرعية على القيادة الإسرائيلية، بينما يظل البعد الإنساني للفلسطينيين في الظل .

وفي هذا السياق ، يمكن قراءة "اتفاقية أبراهام" كأداة محورية في الخطابين ، فقد تم تقديم الاتفاقية على أنها رمز للاستقرار والسلام الإقليمي ، مع إبراز نجاح "نتنياهو" في استثمار التحالفات "الأمريكية_الإسرائيلية" والعربية لتعزيز صورته كصانع للسلام ، بينما يغيب حق الفلسطينيين ومطالب العدالة ، حيث ان "اتفاقية أبراهام" هنا تستغل كعنصر تسويقي واستراتيجي ، فهي تقدم إسرائيل "كوسيط ومهيمن" على مصير المنطقة، وتبرز التحالف الأمريكي "كضامن" للهيمنة، بما يبعث رسائل للعواصم العربية بأن التوازن الإقليمي الجديد يتشكل وفق قواعد القوة ، لا وفق العدالة والمساواة.

وحين نقرأ ما أشاد به "ترامب" بخصوص "نتنياهو" واصفاً إياه بأنه "ليس الأسهل للتعامل معه، لكنه رجل عظيم"، داعياً إلى "العفو عنه" ، لم يكن ذلك مجرد مديح عابر، بل رسالة سياسية عالمية واضحة ، هي ان الدعم الأمريكي دعم مطلق للقيادة الإسرائيلية، وربط القوة الإسرائيلية بالمشروعية الأمريكية في مواجهة أي نقد أو ضغط دولي.

كما وأكد "ترامب" على أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل "أقوى من أي وقت مضى"، وأن التزامه بأمن إسرائيل ثابت ، وهو ما يوضح البعد الاستراتيجي للتحالف "الأمريكي_الإسرائيلي"، ما يعكس رسائل موجهة للعواصم العربية بأن الولايات المتحدة ستكون دائماً الضامن للقيادة الإسرائيلية، بغض النظر عن الحقوق الفلسطينية أو العدالة الإقليمية.

لكننا وفي المقارنة بين الخطابين ، يتضح أن كليهما يعكسان تحالفاً يقوم على تبادل الأدوار لا على اختلاف الرؤى، اذ ان "نتنياهو" يرسخ سردية القوة في الداخل الإسرائيلي ، و"ترامب" يعيد تأطيرها على المستوى الدولي بوصفها شراكة استراتيجية ، فكلاهما يعتمد على الرمزية بدل السياسة، والعاطفة بدل المراجعة، والهيمنة بدل الحوار ، فالخطابان معاً قدما إسرائيل كقوة لا يسأل ما تفعل، وقدما الولايات المتحدة كراع يبرر ويجمل ويمنح الغطاء الأخلاقي والسياسي لذلك الفعل، بينما تغيب الحقوق الفلسطينية عن الحسابات.

من زاوية عربية تحليلية، لا يمكن قراءة ما جرى في الكنيست بعيداً عن أثره على الوعي الإقليمي ، فالرسائل المبطنة في الخطابين توجه أيضاً إلى العواصم العربية، لتذكيرها بأن التحالف الأمريكي الإسرائيلي لا يزال هو الفاعل الأقوى في معادلة الشرق الأوسط ، وأن من يريد موقعاً في المشهد الجديد عليه أن يقبل بشروط اللعبة لا أن يغير قواعدها ، لكن هذه الرسائل ، مهما كانت براقة، لا تلغي حقيقة أن السلام الحقيقي لا يبنى على خطاب النصر بل على الاعتراف بالآخر، ولا على القوة بل على العدالة.

في الختام، يمكن القول ان ما حدث في الكنيست لم يكن مجرد تلاقي زعيمين على منصة واحدة، بل كان عرضاً مسرحياً مدروساً لإعادة رسم صورة القوة المشتركة ، حيث ان نتنياهو أراد تثبيت زعامته المحلية، وترامب أراد تأكيد نفوذه العالمي ، وبين الاثنين غابت فلسطين والحقوق والمأساة ، ومن هنا، تكتمل القراءة التحليلية للحدث ، "خطابان جمعهما هدف واحد" ، إقناع العالم بأن القوة تصنع الحقيقة، وأن السردية الأقوى هي التي تبقى ، لكن من واجب "السلطة الرابعه" والتحليل أن تذكر دائماً أن الحقيقة لا تصنع في "الكنيست" ، بل في الميدان، حيث لا صوت يعلو على صوت العدالة.

والله بالغ امره





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :