من الحكمة بمكان، أنه عند الكتابة عن مستقبل الأوطان وحقوق الإنسان في حياة كريمة مصونة، يجب أن تراعى أعلى درجات الأمانة العلمية والوطنية المطلقة من غير أهواء متقلبة أو مصالح شخصية ضيقة يتم التعبير عنها بتجميل الواقع بنسج عبارات محبوكة بعناية تظهر للقارئ للوهلة الأولى أنها سحر آخاذ ينقل الأوطان إلى عالم الجمال والكمال و الجنان ، إلا أن أرقام الواقع تدل على النقيض تماما ، و عند هذه الحالة تحديدا تكون إعادة إنتاج الفساد الفكري و إنتاج الجهل المركب و تضليل الوعي و هذا لا يستقيم مع صفة الكاتب الصادق الأمين .

لقد طالعنا معالي الأستاذ الدكتور حمد الكساسبة وزير المالية الأسبق في حكومة دولة الدكتور معروف البخيت رحمه ، بمقال وضع النقاط على الحروف قائلا : بعد نحو أكثر ثلاثة أعوام على إطلاق التحديث عام ٢٠٢٢ ، يبرز السؤال الجوهري : هل بدأ التحول الفعلي من مرحلة التخطيط إلى الأثر الملموس في حياة المواطن ؟ لقد افترضت رؤية التحديث تحقيق نمو يقارب 5% وخلق مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات و استقطاب ٤ مليارات دينار سنويا من الاستثمارات ، و بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام لا يزال النمو عند حدود ٢.٨ % و البطالة عند نحو ٢١.٣% ، بينما لم تتجاوز تدفقات الاستثمار ربع المستوى المستهدف و هذا يدعو إلى مراجعة ذاتية لكل ما جرى و يجري.

عند تحليل مخرجات لجان تحديث المنظومات السياسية و الاقتصادية و الإدارية يستطيع المحلل أن يصل إلى معرفة نسبة الإنجاز على أرض الواقع في كافة المجالات المستهدفة كما يستطيع أن يعرف أسباب المعيقات التنفيذية و دور ( الإنسان ) و الموارد البشرية في تحقيق نسب التقدم و ذلك عبر تقييم الأداء المؤسسي و الفردي للقائمين على التحديث و أدوات التطبيق العملي و التحديات المرتبطة به ، و قد عبر دولة الأخ سمير الرفاعي رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في محاضرة له في معهد الإعلام الأردني عن طبيعة الأداء الحزبي الذي وصفه بأنه دون المستوى و لا يقدم حلول حقيقية تعالج هموم المواطنين و إنه يهتم بالإنشغال بالصراعات الداخلية و المناورات السياسية و أوضح عن فجوة عميقة بين الشارع الأردني و الأحزاب السياسية و هذا ما كشفت عنه الانتخابات النيابية الأخيرة ٢٠٢٤ ، و هذه لا يعبر عن الطموح الملكي للإصلاح و قد أشار جلالة الملك المعظم كثيرا عن عدم متابعة مخرجات الأوراق النقاشية الملكية منذ عام ٢٠١٢ ، و كان الأمر ليس بعيدا في مخرجات لجان التحديث السياسي و الاقتصادي و الإداري مما يدعو بجدية إلى المراجعة الذاتية .

إن مشاركة معالي الأخ حمد الكساسبة وزيرا للمالية في حكومة دولة د. معروف البخيت جاء بعد استقالة وزير المالية آنذاك الذي كان يصر على رفع الأسعار و قد عبر الرئيس البخيت رحمه الله في مؤتمره الصحفي إن الإنسان الأردني أهم من لغة الأرقام و أن جلالة الملك المعظم هو نصير الفقراء و الضعفاء و لم يتم رفع الأسعار و تمت إستقالة الوزير و تعيين الدكتور حمد الكساسبة الذي ما زال يصدق وطنه في تحليلاته الاقتصادية لهذا اليوم و للأبد لأنه ديدن الشرفاء من أبناء هذا الوطن الأبي الخالد.

إن لم يتبوأ المواقع الوظيفية المتقدمة سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو إدارية في بلدنا المبارك بقيادته الهاشمية الملهمة المنحدرة من الدوحة النبوية ذات الفروع المثمرة الزكية ، كفاءات و مواهب وطنية حقيقية معطاءة و مبدعة فإنه لا يمكن للرائد أن يصدق أهله و وطنه و يجهد لإصلاحه و تقدمه و تنميته.

يقول الله تعالي أصدق القائلين :
(( كذلك يضرب الله الحق و الباطل ، فأما الزبد فذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، كذلك يضرب الله الأمثال )) . صدق الله العظيم .

داعيا الله جلت قدرته أن ينفع البلاد و العباد بأهلهم الشرفاء و يبعد عنهم كل حاقد حاسد لا يؤمن بهذا البلد و رسالته العظيمة .
و الله من وراء القصد و هو العليم الخبير .