facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أوقفوا العنف الجامعي .. الآن!


فيصل تايه
17-10-2025 01:42 AM

ما حدث داخل الجامعة الأردنية يوم امس الخميس ليس مجرد شجار طلابي عابر ، بل جرس إنذار مدو يقرع بقوة، ليؤكد أن ظاهرة العنف الجامعي لم تعد أحداثاً منفصلة، بل باتت تهدد السلم الاجتماعي ومستقبل شبابنا ، فالحادثة تعكس بوضوح فورات شبابية غير منضبطة، وثقافة انتماءات ضيقة تتحول إلى صراعاتٍ ميدانية، فتقوض أي بيئة تعليمية آمنة أو حضارية، وتحرف الجامعة عن رسالتها العلمية والإنسانية.

إن استمرار هذه الظاهرة يشير بوضوح إلى غياب التوعية وضعف الرقابة وتراخي العقاب، كما يكشف فجوة عميقة في تربية الشباب على قيم الحوار والانضباط واحترام القانون ، فالجامعات تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية حين تغيب عنها برامج الإرشاد النفسي والاجتماعي، أو تتساهل في تطبيق أنظمة رادعة تمنع العنف وتحفظ هيبة المؤسسة التعليمية ، كما وان الأسرة بدورها تتحمل مسؤولية لا تقل أهمية، حين تغفل عن ترسيخ قيم التسامح وضبط السلوك لدى الأبناء، فيما يسهم المجتمع أحياناً بشكل غير مباشر في تعزيز العصبيات والانفعالات العاطفية ، كما أن الجهات الأمنية مطالبة اليوم بتكثيف برامجها الوقائية وخططها الاستباقية قبل أن يتحول الخطر إلى واقع يصعب احتواؤه.

في المشاجرة يؤكد شهود عيان أن ما جرى داخل الجامعة لم يكن اشتباكاً محدوداً ، بل مشهداً مؤسفاً شارك فيه طلاب من تخصصات واتجاهات متعددة، تجمعهم قناعة خاطئة بأن "العصبية" هي معيار الرجولة، وأن "النخوة" تثبت بالاشتباك لا بالتحاور ، فهذه المفاهيم المغلوطة تجد بيئتها حين يغيب الردع وتغفل المحاسبة، فيشعر الطالب أن بإمكانه تجاوز القوانين دون عواقب، مدفوعاً بقناعة أن هناك من “يدعمه” أو يحميه من العقاب ، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية ، حين يتراجع القانون وتتلاشى هيبة الجامعة، فتنهار القيم وتضيع الرسالة التربوية، ويتحول الحرم الجامعي من منارة علم إلى ساحة نزاع.

ومن المؤسف أننا بلغنا هذا المستوى رغم التوجيهات السامية المتكررة من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي شدد مراراً على أن الشباب هم الطاقة الحقيقية للأمة، وأن أي انحراف في سلوكهم أو ابتعاد عن القيم الحضارية يستدعي تدخلاً جاداً وفورياً ، فالرؤية الملكية الواضحة تدعو إلى بناء منظومة قيم تعزز الحوار والانضباط والمسؤولية، وتحذر من مخاطر التساهل مع مظاهر العنف التي تهدد أمن المجتمع وتماسكه.

لكن يبقى السؤال المؤلم ، لماذا لا تطبق هذه الرؤية الملكية عملياً في الجامعات؟ لماذا تترك الحرمات الجامعية ساحة للفوضى ، بلا رادع ولا برامج توعية فاعلة ولا لجان إشرافية جادة؟ هذا ليس مجرد تقصير إداري، بل إهمال لمسؤوليات وطنية جسيمة جعلت أبناءنا عرضة لتأثير العنف والانجرار وراء الانفعالات ، فالجامعة لا يجب أن تكون مرآة للتوتر الاجتماعي، بل حاضنة للعقل والاعتدال والانفتاح.

ما نحتاجه اليوم ليس مزيداً من التصريحات أو البيانات، بل تحركاً عملياً عاجلاً يترجم المسؤولية إلى أفعال واقعية، عبر تنسيق مباشر بين وزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية ومجلس النواب والأجهزة الأمنية وإدارات الجامعات، لوضع خطط استباقية تحصن الحرم الجامعي من مظاهر العنف والانقسام ، فالمطلوب أن تتبنى الجامعات أنظمة داخلية صارمة، وتفعّل مكاتب الإرشاد النفسي والاجتماعي، وتسند جهودها إلى منظمات المجتمع المدني لترسيخ ثقافة المواطنة والانتماء، بدلاً من ثقافة الانتقام والانغلاق التي تسكن عقول بعض الشباب.

كما تبرز الحاجة إلى تشكيل لجان شبابية طلابية فاعلة داخل الجامعات تتولى مهام التوعية والوساطة والإرشاد، وتمنح دوراً استشارياً عملياً يربط بين الإدارة والطلبة والمؤسسات المدنية في تنفيذ حملات مستمرة تعزز قيم الحوار والمسؤولية ، كما ويجب أن يشارك رجال الدين والهيئات الثقافية في بناء منظومة أخلاقية متينة تخرج الشباب من دوائر الصراع الضيق نحو أفق وطني أوسع، ذلك ان حملات التوعية، والدوريات الأمنية الجامعية المؤهلة، وتطبيق القوانين بحزم، تشكل جميعها أدوات ضرورية لحماية الجامعات من الانفلات، لأن أي تقاعس سيقود إلى مجتمع متوتر وعنيف، في حين أن التحرك الجاد والمتكامل اليوم هو السبيل لضمان بيئة جامعية آمنة، ومجتمع متماسك، ومستقبل وطني مستقر.

وفي الوقت نفسه، لا بد من وجود عقاب رادع وواضح وعلني، فكل من يشارك في تأجيج الفوضى أو الاعتداء يجب أن يحاسب قانونياً وأكاديمياً دون استثناء، لضمان عدم تكرار الاعتداءات ، فالقانون وحده لا يكفي إن لم يدعم بإجراءات أكاديمية وإدارية حازمة، تشعر كل طالب أن الجامعة بيت انضباط واحترام قبل أن تكون بيت علم.

أبناؤنا ليسوا خصوماً أو أعداء ، بل هم مستقبل هذا الوطن ، ومع ذلك، لا يمكن التساهل مع من يحاول تحويل الجامعات إلى ساحات عنف وفوضى ، لذلك علينا أن نكون صارمين في تطبيق القانون، حازمين في الموقف، ومبدعين في الحلول، لأن التأجيل يعني توريث العنف لجيل جديد، وتضييع فرصة بناء وعيٍ وطني راق يقوم على الحوار والاختلاف المسؤول.

لقد آن الأوان أن نحول الصدمة والغضب من حدث مؤسف إلى عمل ملموس يعيد للجامعة مكانتها الحقيقية ، بيت علم ، وفضاء حوار، وميدان مواطنة.

والله ولي التوفيق..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :