facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قصة جناحين .. بين دبي وأوساكا


د. صالح سليم الحموري
17-10-2025 10:29 AM

لم تكن المشاركة في المعارض الدولية يومًا مجرّد خيمة تُنصب أو جناح يُزيَّن بالصور والمجسمات. هذه المساحات العالمية الكبرى، مثل «إكسبو»، ليست مسارحًا للعرض الشكلي، بل منصات تُروى فيها حكاية بلد… كيف يحلم، وكيف يُبدع، وكيف يقرأ مستقبله.

في «إكسبو دبي 2020»، كان للأردن جناح. نعم… لكن هل كانت له قصة؟ الحقيقة أن الجناح بدا كمن يقف في ساحة مزدحمة بلا صوت.

الفكرة كانت ضبابية، والرواية غائبة، وكأننا حضرنا من باب المجاملة لا من باب الرسالة. لم تكن هناك سردية وطنية موحّدة تشدّ الزائر من يده وتقول له: “هذا هو الأردن”.

الشباب الذين يمثلون الطاقة والروح كانوا غائبين تقريبًا، والتصميم الداخلي للجناح لم يعكس لا أصالة المكان ولا طموح المستقبل، التجهيزات التقنية كانت محدودة… شكلية أكثر منها جوهرية، والفعاليات المرافقة يمكن عدّها على أصابع اليد الواحدة. في عالمٍ تُصنع فيه الصورة الذهنية قبل الصفقات التجارية، بدا حضورنا باهتًا، وكأن الأردن يقف في الزاوية صامتًا، بينما الآخرون يملأون الساحة بأصواتهم، بحكاياتهم، بأحلامهم.

كنت هناك… في دبي.

ذهبتُ إلى المعرض وأنا أحمل في قلبي فخرًا وفرحًا، متحمسًا لزيارة جناح بلدي. كنت أريد أن أقول للعالم: “هذا هو الأردن… هذه حكايتنا”. لكن ما رأيته كان صادمًا. جناح بلا روح… بلا قصة… بلا نبض. خرجتُ من هناك والدموع تملأ عيني، صورتُ فيديو وانتقدت ما رأيت، ليس غضبًا… بل حبًا. أردت أن أصرخ: “الأردن أكبر من هذا”.

تم إغلاق الجناح الأردني أسبوعًا كاملًا… ثم أعيد فتحه، لكن شيئًا لم يتغير. بقي كل شيء كما هو: ضجيج في الشكل… صمت في الجوهر، على الرغم من الأموال التي أُنفقت، كان ينقصه شيء واحد لا يُشترى… الروح.

لكن القصة لا تنتهي هناك…
في «إكسبو أوساكا 2025»، بدا الأردن مختلفًا. بدا وكأنه أعاد اكتشاف نفسه.
كان للجناح رسالة… وللرسالة روح، كما سمعنا.

هذه المرة، لم نحمل صورًا فقط، بل حملنا رؤية وطنية واضحة تتحدث عن الإبداع، عن الهوية، عن التكنولوجيا، عن المستقبل. كان التصميم عصريًا، أنيقًا، يدمج بين دفء الأصالة وحداثة الابتكار. كانت الفعاليات تنبض بالحياة، تفتح نوافذ على الثقافة والعلم والسياحة، وتجعل الزائر يشعر وكأنه يسافر في رحلة مصغرة إلى قلب الأردن.

الأجمل من كل ذلك… أن الشباب كانوا في المقدمة. روّاد أعمال، مبدعون، حالمون… لا يسردون قصص نجاحهم فقط، بل يجسّدونها أمام العالَم، كانوا الوجه الحقيقي لبلدٍ صغير بحجمه… كبير بحكايته.

الإعلام حضر، والرسالة وصلت، والانطباع تغيّر.

في لحظةٍ فارقة، بدا واضحًا أن الفرق بين دبي وأوساكا لم يكن في حجم الجناح ولا موقعه، بل في حضور القصة.

في دبي، كنا نبحث عن الكلمات.

في أوساكا، كنا نحن الحكاية.

لقد تعلّمنا أن مجرد وجودنا لا يصنع فرقًا… ما يصنع الفرق هو الرؤية، والسردية، والقدرة على أن نحكي للعالم من نحن. تعلّمنا أن الهوية الوطنية قوة ناعمة، وحين تُروى بطريقة جميلة، تُفتح الأبواب أمام الشراكات والاستثمارات والاحترام. وتعلّمنا أن التحضير المبكر، وأن تمكين الشباب، وأن الرمزية التي تختصر الرسالة أهم من الزخرفة الفارغة.

لقد أخفقنا في دبي لأننا حضرنا بلا بوصلة، ونجحنا في أوساكا لأننا خططنا وعملنا بعقل وقلب.

وفي النهاية، هذه ليست قصة جناحين… بل قصة وطن حين يختار أن يروي حكايته للعالم كما هي: فخرًا، وذاكرة، ومستقبلًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :