الإصلاح الضريبي ما بين العدالة والكفاءة
د. عادل محمد القطاونة
18-10-2025 11:12 PM
ما بين إعفاءات ضريبية وغرامات قانونية، ما بين تنزيلات مقبولة واقتطاعات مطلوبة، يتساءل البعض عن ماهية الإصلاح الضريبي ! فهل هو عملية مرحلية أم ضرورة حتمية، هل هو نتاج فترة انتقالية أم مرحلة اقتصادية! هل هو حاصل تراكمات فكرية أم خبرات عملية !
لا يختلف اثنان على أن الإيرادات الضريبية تشكل ركيزة أساسية في تمويل الاستقرار المالي والاقتصادي وتشكل أولوية في التنمية المستدامة في اي دولة من الدول، في الأردن حققت الإدارة الضريبية في السنوات الأخيرة إنجازات ملموسة في تعزيز التحصيلات الضريبية، فنظام الفوترة الوطني والأسعار التحويلية وغيرها من الأنظمة مدعومة بتبني تقنيات تكنولوجية متطورة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل المعلومات وادارة البيانات الضخمة وغيرها من التقنيات الرقمية الحديثة، ساهمت في تطوير المنظومة الضريبية بشكل واضح.
رقمياً، ارتفعت الإيرادات الضريبية في العام 2024 إلى حوالي 6.084 مليار دينار أردني، بنسبة نمو تجاوزت 4% عن العام 2023، وبزيادة تجاوزت 11% مقارنة بأرقام العام 2022، مما يعكس تطورًا نوعيًا في كفاءة الامتثال والتحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي.
على الرغم من كل هذه الإنجازات التي تحققت في السنوات السابقة، برزت بعض التحديات والصعوبات التي واجهت الإصلاحات الضريبية، لا سيما الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي شكلت نحو 76% من إجمالي الإيرادات الضريبية، وهو هيكل فرض عبئًا متساويًا على جميع المكلفين الضريبيين، بغض النظر عن القدرة الاقتصادية، مما قد يرى فيه البعض أنه يحد من فاعلية العدالة التصاعدية في النظام الضريبي. هذا التركيب الضريبي يحتم إعادة هيكلة متوازنة تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز الضرائب المباشرة كضريبة الدخل والأرباح الرأسمالية، لتكون أكثر تعبيرًا عن القدرة الضريبية الحقيقية للأفراد والشركات على حد سواء.
علاوة على كل ذلك، برزت الحاجة إلى مراجعة بعض التشريعات الضريبية ضمن إطار من الشفافية والحوكمة، بهدف الحد من التشوهات في عدالة التوزيع الضريبي. عبر تعزيز آليات الرقابة والتدقيق الإلكتروني، وتوظيف التقنيات الحديثة في مكافحة التهرب والتهريب، حيث أثبتت التجربة الأخيرة فاعلية هذه الأدوات في رفع معدلات الامتثال وتعظيم الإيرادات.
لا بد اليوم من إيجاد التوازن الأمثل بين التوسّع الضريبي والملف الاستثماري، ما بين الإصلاحات الضريبية والإصلاحات الاجتماعية عبر سياسات ضريبية محفزة للاستثمار ومؤكدة على الاستقرار المالي والاقتصادي، ومن خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي كما هو معمول به في بعض دول العالم الغربي لدعم التنمية المستدامة، لضمان أن يكون الإصلاح الضريبي محركًا للعدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، مع الحفاظ على الاستقرار المالي والثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن.
إن الإصلاح الضريبي ليس مجرد ترف لغوي أو عمل لحظي، بل هو تحدٍ اقتصادي واجتماعي يتطلب عملاً مستمراً وفكراً كبيراً، أساساً صحيحاً وتطبيقاً ذكياً، لضمان نظام ضريبي يحقق الكفاءة والعدالة في آنٍ واحد، ويؤسس لبيئة اقتصادية متوازنة تضمن زيادة الإيرادات الضريبية وريادة الاستثمارات المحلية والدولية.