العنف الجامعي والهوية الوطنية
د.امجد أبو جري آل خطاب
19-10-2025 12:05 PM
إن الجامعات الأردنية لا يمكن النظر إليها كمؤسسات تعليمية فقط، فهي في حقيقتها صورة مصغرة للمجتمع الأردني بكل ما يحمله من تنوع وتوترات وتباينات اجتماعية. لذلك فإن أي حالة عنف تحدث داخل الحرم الجامعي لا ينبغي أن تفاجئنا، لأنها في جوهرها انعكاس مباشر للبنية الاجتماعية خارج أسوار الجامعة.
العنف الجامعي ليس مجرد شجار بين مجموعة من الطلبة، بل هو تعبير واضح عن اختلال في منظومة القيم والانتماء الوطني. فحين تتقدم الهويات الفرعية (من عشائرية أو مناطقية أو غيرها) إلى الواجهة، وتُطرح في الفضاء الجامعي بوصفها إطاراً للاصطفاف، فهذا يعني أن الهوية الوطنية الجامعة، القائمة على المواطنة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، بدأت تتراجع أمام بدائل اجتماعية أكثر ضيقاً وأقل افقاً.
نحن أمام مشكلة ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية متشابكة، فالشباب الأردني يرزح تحت ضغط البطالة، وضعف التمثيل في الحياة العامة، وشعور متزايد بانعدام العدالة في توزيع الفرص. ومع غياب قنوات التعبير الديمقراطي الحقيقية داخل الجامعات وتراجع دور الاتحادات الطلابية، تصبح الهوية الفرعية ملاذاً سريعاً لتعويض الشعور بالغربة داخل المؤسسات.
يضاف إلى ذلك أن الجامعات لم تنجح في إدماج شريحة واسعة من الطلبة في الأنشطة اللامنهجية، والتي يفترض أن تكون مساحة لتكوين الهوية الجامعة وتعزيز روح الانتماء المدني، بل إن هذا المجال شهد تراجعاً ملحوظاً، الامر الذي سمح للهويات الضيقة بأن تملأ الفراغ على حساب دور الجامعة التربوي والثقافي.
ان معالجة هذا الواقع لا يمكن أن يكون بصورة انفعالية، بل يجتاج إلى جهد وطني يعيد إدماج قيم المواطنة في المناهج وفي الحياة الجامعية اليومية، ويعزز مفاهيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. كما أن تمكين الطلبة سياسياً من خلال اتحادات طلابية فاعلة تمثل البرامج والأفكار بدل العصبيات والانتماءات الضيقة، سيعيد تعريف دور الجامعة بوصفها منارة للعلم ومجالًا لتبادل المعرفة والصوت الحر، لا ساحة للتوتر والصراع.