في الوقت الذي تهتز فيه صورة الجامعات مع كل مشاجرة عنيفة بين الطلبة، تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية للغة ومفاهيمنا عن "القوة" و"المواجهة" و"الدفاع عن الكرامة" داخل الحرم الجامعي. فما نشهده اليوم من عنف جسدي لا يُعبّر عن شجاعة، بل عن فراغ فكري، وانعدام قنوات التعبير البنّاء. لكن، ماذا لو استثمرنا هذه الطاقة في اتجاه مختلف؟ ماذا لو روّجنا لـ"عنف إيجابي" لا يهدم، بل يبني؟

"العنف الإيجابي" مصطلح مجازي نستخدمه هنا للإشارة إلى السلوكيات التي تحمل الحماسة والاندفاع، لكنها تُترجم إلى مبادرات، مواقف، واشتباكات فكرية وأخلاقية تفتح أفقًا للحوار والتغيير. هو عنف لا يُترجم إلى ضرب وتكسير، بل إلى احتجاجات مدروسة، مناظرات علنية، مواقف أخلاقية جريئة، ومبادرات طلابية تضغط لأجل قضايا عامة. هو عنف يصطدم باللامبالاة، لا بالزملاء.

في الجامعات الحية، يختلف الطلبة، ويتجادلون، ويعارضون الإدارات، ويشكلون أندية، ويكتبون منشورات ناقدة، ويخوضون انتخابات، ويصيغون بيانات، وربما ينظمون اعتصامًا أو وقفة احتجاجية. كل هذا جزء من عنف إيجابي يحمل جرأة المواجهة، ويعيد تعريف معنى القوة: أن تقول لا، لا أن ترفع يدك.

لسنوات، ضُيّقت مساحات التعبير الطلابي، وتآكل العمل النقابي المستقل، وغابت المساحات الآمنة للنقاش المفتوح. هذه الفجوة لم تملأها المؤسسات، بل ملأها الفراغ، والعشيرة، والتعصب، والانفعالات. لذلك، لا يكفي أن نحذر من العنف، بل علينا أن نفتح بدائل ذات معنى. المطلوب ليس فقط برامج توعية ضد الشجار، بل بيئة جامعية تُشجّع على الغضب... لكن أن يُترجم إلى مبادرة، لا مشاجرة.

عندما يجد الطالب منبرًا يعبر فيه عن موقفه، وينافس زملاءه بالحجة لا بالعصا، ويشعر أن كلمته تؤثر، سيعيد تعريف القوة، وسيفضّل "العنف الإيجابي" على العنف العبثي. وعندما يرى جامعةً تحترم صوته، لا تقمعه، سيرى في الاختلاف ثراءً، لا تهديدًا.

دعونا نفتح مساحات هذا النوع من العنف. دعونا نربِّ جيلًا لا يخجل من الغضب، لكن يعرف كيف يُحوله إلى شيءٍ جميل، شيءٍ يُحترم. هكذا فقط، نُحصِّن جامعاتنا من العنف السلبي... لا بالكبت، بل بالبديل.

نعم، نُرَوِّج لعنف إيجابي: عنفٍ يشتبك مع الجهل لا مع الجسد، ويهدم الصمت، لا الكراسي.

* مستشار التدريب والتطوير - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية