facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عن العنفِ في المدارسِ والجامعات


أمل المشايخ
19-10-2025 11:24 PM

أثناءَ زيارتي الأخيرةِ للجامعةِ التي أواظبُ على زيارتِها مذْ تخرجتُ فيها، قرأتُ ما كتبَه شبابٌ في عمرِ الزَّهرِ على الطَّاولاتِ والمقاعدِ:

"أعطِني حريَّتي أطلقْ يديَّ" التوقيع: (أنفاس الزَّهر)
"عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر" التوقيع: (جابني الشُّوق وجيت)

أحسبُ أنَّ الأولى صبيَّةٌّ فقدتْ أملَها في فتى أحلامِها الذي يحكُمه الغضبُ، فتسبقُ يدُه لسانَه وقلبَه، وأحسبُ أنَّ الثَّاني شابٌّ رأى جمالَ الدُّنيا في عينيْ فتاتِه ذاتَ فرحٍ لمْ يَطُلْ، ولكنْ حينَ اقتتلَ الجميعُ تطايرت الطاولاتُ والمقاعدُ وتناثرتْ معها الكلماتُ والأحلام، حيثُ احتقنَ الغضبُ وتكلمت البغضاءُ.

ليسَ العنفُ لدى الصِّغارِ والنشءِ بدعًا من السّلوكِ، إنَّها سنُّ الحركةِ والنَّشاطِ والعنفوانِ، ولكنْ أنْ يكونَ العُنفُ حجمَ الظاهرةِ، وخبرًا يتصدَّرُ الصَّفحاتِ الأولى من الصّحف، تُعلَّقُ منْ أجلِه الدِّراسةُ، وتُغلقُ جرّاءَه جامعاتٌ، وأنْ يكونَ الموضوعَ الأوَّلَ في أحاديثِ المجتمعِ، فهو الأمرُ الذي يستحقُّ الوقوفَ والدِّراسةَ بهدفِ الوقوفِ على الأسبابِ؛ للوصولِ إلى حلولٍ ناجعةٍ توفِّر للنشءِ مُناخاً تعليميًا يعينه على الدَّرسِ والبحثِ والتَّحليلِ، وتحفظُ له جسمًا سليمًا تهيَّأتْ له أسبابُ القوةِ والعافية...

العنفُ في المدارسِ والجامعاتِ نتاجُ تربيةٍ في البيتِ اختلطَ فيها معنى التَّربيةِ بمعنى الرِّعاية، إذْ يبدأُ منْ أزمةِ قيمٍ نراها - في كثيرٍ من الأحيانِ - عند الصِّغارِ تبدأُ بأخذِ كلِّ شيءٍ دونَ استعدادٍ للعطاء، نتيجة ما يمارسُه الآباءُ من استجابةٍ للأبناءِ تحكمُها عاطفةٌ منبعُها قلبٌ لا يريدُ أنْ يعيشَ أبناؤه حرمانًا قدْ عاشه، فكانت النتيجةُ استمراءً للأخذِ تجلَّى في صورتِه الأكثرِ بشاعةً حينَ افتقدوا الشُّكرَ بوصفِه قيمةً نبيلةً تتضمَّنُ الوفاءَ والولاءَ وردَّ الجميلِ، وحلَّ محلَّ ذلكَ تعاظمٌ بالذَّاتِ والآباءِ والمالِ والسَّيارةِ والهاتفِ، وحينَ دخلوا الجامعةَ ظلَّ فكرُ التَّفاخرِ الفارغِ يمتدُ دونَ منجزٍ، فهو (تفاخرٌ) وليسَ فخرًا؛ لأنَّ ما يتمُّ التَّفاخرُ به ليسَ إنجازًا منْ صنعِ أيديهم، فلا يفتخرُ أحدُهم بكتابٍ قرأَه أو أبدعَه أو أيِّ منجزٍ إنسانيٍّ يستحقُ الذِّكرَ.. يعقبُ ذلك غيابُ الحُبِّ بوصفِه عاطفةً رحبةً تستوعبُ الآخرَ وتقبلُه، فتنمو الرَّغبةُ بالبطش بديلاً للرَّغبةِ بالحوارِ، وكأنَّ أحدَهم يردِّدُ ما قالَه الشَّاعرُ الجاهليُّ دريدُ بن الصِّمة:

وهلْ أنا إلا منْ غزيَّةَ إنْ غَوتْ / غَويْتُ وإنْ ترشدْ غزيةُ أرشدِ

ربَّما كانَ مبرَّرًا لشاعرٍ جاهليٍّ أنْ يتعاظم بالقبيلة؛ حينَ لمْ يكنْ له نصيرٌ سواها، ولكنْ ما الذي يبرُّر هذا التَّعاظم بالقبيلةِ لشبابٍ من أبناءِ القرن الحادي والعشرين، شهدوا ثورةَ الاتّصالات بشكلٍ يفوقُ الخوارقَ في الحكاياتِ والأساطير؟ ... بوسعِ كلِّ منَّا في - زمن الضَّلال العربيِّ - أنْ يحذفَ (غزيَّة) ويضعَ اسمَ العشيرةِ التي ينتمي إليها؛ ليتجسَّدَ معنى الطَّائفيةِ والقبليَّةِ ريحًا عقيمًا لا تبقي ولا تذرُ، الطّائفيَّةُ - ومثلُها العشائريَّة - إعصارٌ يرمي الدَّمارَ الأسودَ، ولأنَّها لا تنطلقُ منْ قضيَّةٍ عادلةٍ فإنَّها تدومُ سنواتٍ طوالًا عجافًا هي مؤشِّرُ بطلانِها؛ فلا تكتفي بالتَّفريقِ بينَ أفرادِ الأمَّةِ هذا مسلمٌ وهذا مسيحيٌّ، وهذا سنيٌّ وذاكَ شيعيٌّ، وهذا شماليٌّ وذاكَ جنوبيٌّ، إنَّها نارٌ يمدُّها بأسبابِ اشتعالِها باطلٌ في صورةِ حقٍّ، وإذْ ذاكَ فقدْ تفرِّقُ بين المرءِ وزوجه؛ بلْ ربَّما بين الوالدِ وولدِه، فمنْ أينَ نبدأ مع المشكلة؟ ذاكَ سؤالٌ باتَ يؤرِّقُنا جميعًا: آباءً وأمهاتٍ ومربّين:

هلْ نبدأُ من المناهجِ الملوَّنةِ الجميلةِ التي جاءتْ أنيقةً ولكنْ دونَ مخرجاتٍ تربويَّةٍ وتعليميَّةٍ، فأعقبَ ذلكَ ضعفٌ في اللغةِ الجميلةِ والشّعرِ، وتراجعٌ في الذَّائقةِ لدى الاستماعِ إلى الغناءِ والموسيقى، لا سيَّما بعدَ طغيانِ اللغةِ الأجنبيَّةِ، وبرامجِ التَّقليدِ تحتَ عنوانِ النُّجوميَّةِ الزَّائفةِ التي ملأت المحطاتِ، هلْ يجوزُ لنا المقارنةَ مع زمنٍ كانَ فيه بعضُنا يكتبُ شيئًا من مختارتِه على كتبِه المدرسيَّةِ؟ وكانَ بعضُنا يخصِّصُ دفترًا لروائعِ ما قرأَ؟ فأينَ ذهبَ هذا؟ .... هلْ نبدأُ منْ درسِ الدّينِ الذي غدا معلومةً للحفظِ، وغابَ فيه القدوةُ والمثالُ، أمْ منْ درسِ التَّاريخِ الذي غدا استغابةَ للأمواتِ، وغابَ فيه الدَّرسُ والعبرةُ، أمْ منْ درسِ العلومِ الذي غدا معلومةً نظريَّةً صعبةً، ضاق بها الصَّغيرُ لغيابِ التَّجربةِ التي يُعملُ فيها عقلَه تفكيرًا، ويدَه إنجازًا، وقلبَه حبًا ومتعةً وسعادةً ورضى بما أنجزَ لغيابِ التَّجهيزِ والتَّمويلِ الذي يُعطي التَّعليمَ المكانةَ والجديَّةَ اللتين يستحق.. والنتيجةُ ما رأينا وسمعنا: 500 جامعةٍ أدرجتْ كأفضلِ جامعاتٍ في العالمِ (تلكَ إحصائيَّةُ اليونسكو 2012) - بينَها واحدةٌ منْ جامعات العدوّ- وليس بينها جامعةٌعربيَّةٌ واحدةٌ.

(Pastoral Care) مصطلحٌ مستخدمٌ في المدارسِ الأجنبيَّةِ، وحينَ ننظرُ في المهامِّ المدرجةِ تحتَ هذا المصطلح نجدُ أنَّها متعلِّقَةٌ بالناحيةِ التَّربويَّةِ والأخلاقيَّةِ لدى التّلاميذِ، فهو مصطلحٌ يناقشُ أداءَ التّلاميذِ في المجتمعِ المدرسيِّ، وسويَّتهم الأخلاقيَّةَ، كما يهتمُّ بالنِّظامِ الغذائيِّ الذي يلائمُ الصِّغارَ والنشءَ في سنيِّ الدِّراسةِ، ويُعنى أيضًا بعلاقةِ التّلاميذِ بآبائِهم، ووجودِ سياسةِ اتِّصالٍ مستمرَّةٍ بينهم وبين المدرسةِ، ولا يغيبُ عنْ هذا النِّظامِ تكريمُ الطلبةِ المُجدِّين في نهايةِ العامِ الدِّراسيَّ لا بهدفِ تقديسِ نظامِ الدَّرجاتِ، وإنَّما لتعزيزِ مفهومِ (تقديرِ الذَّات) الذي يُعدُّ أسمى مطلبٍ يمكنُ أنْ تصلَ إليه العمليَّةُ التّربويَّةُ؛ ذاكَ أنَّه يخلقُ لدى التِّلميذِ الثِّقةَ بأدائِه ما يدفعُه إلى مواصلةِ التَّفوُّقِ، لا بلْ تطويرِ الأداءِ بهدفِ الحصولِ على تقديرٍ أجلَّ وأسمى...

على أنَّني كنتُ أتساءلُ دومًا: إنَّ كلمةَ (Pastoral) تعني – فيما تعنيه - المراعيَ الخضراءَ، فمنْ أينَ جاءت الكنايةُ في اللغةِ الإنجليزيَّةِ لاستعارةِ هذه اللفظةِ للدِّلالةِ على كلِّ ما له صلةٌ بالتَّربيَّةِ؟

يحضرُني الآنَ قولُه صلى اللهُ عليه وسلم: " ما منْ نبيٍّ إلا وقدْ رعى الغنم. قالوا: وأنتَ يا رسولَ الله ؟ قال: نعم، كنتُ أرعاها بالقراريطِ لأهلِ مكَّةَ " رواه البخاري.
المراعي والرَّعيُ هي تربيَّةُ للذَّاتِ وانفلاتُها على المدى حينَ يمنحُ مساحةً للتّأمّلِ والصَّفاءِ والفكرِ في الذَّاتِ والكونِ، والغوصِ إلى أعمقِ الأعماقِ حينَ نتأمَّلُ ونسرَّحُ الطَّرفَ في المدى البعيدِ، هي الرُّوحُ بأصفى وأعلى تجلياتِها.

تدَّني الذَّائقةِ أعقبَ ضعفًا في الرُّوحِ، وغلظةَ في الطِّباعِ، وقسوةً في القلبِ نجدُها واضحةَ في العنفِ اللفظي الذي أحسبُه منْ أخطرِ أشكالِ العنفِ؛ لأنَّه يفضي إليها جميعًا، والكلمةُ الطيِّبةُ: (لو سمحت، تفضَّلْ، آسف) هي نتاجُ تربيةٍ يبدو أنَّها غابتْ لاعتباراتٍ كثيرةٍ ليسَ أوَّلُها الاستقواءَ على الآخر، وليسَ آخرُها الكبرياءَ الفارغةَ التي تتعمَّقُ لتصبحَ قاتلةً ..

صدرٌ ضاقَ بالحبِّ، وعقلٌ فرغَ من المعرفةِ والفكرِ، نابَ عنه بطشٌ في اليدِ جعلتْه يدفعُ رفيقَه أو يضربُه بآلةٍ حادَّةٍ ليتطورَ الأمرُ إلى السَّلاحِ الأبيضِ، فالذَّخيرةِ الحيَّةِ.
جرعةٌ عاليةٌ من الحبِّ تلزمُنا لنفهمَ أنَّنا شعوبٌ وقبائلُ خُلقنا لنتعارفَ ونتعايشَ - وليسَ بالضَّرورةِ أنْ نتشابه - وما تصدَّرَ الحديثُ في الطَّائفيَّةِ والإقليميَّة إلا حينَ أفلست الأمَّةُ من إنجازٍ يدفعُ بها إلى الصَّدارةِ، وما كانَ التَّعاظمُ بالعشيرةِ إلا حينَ دسَّت السِّياسةُ بأنفِها واتَّخذتْ من الدِّينِ أو القبيلةِ لبوسًا يخدمُ أغراضًا ومعادلاتٍ غابَ عنها المواطنُ البسيطُ الحرُّ الذي يركضُ من الصَّباحِ إلى المساءِ طلبًا للقمةِ عيالِه.

أدعو إلى أنْ يُؤخذ الأمرُ على أعلى درجاتِ الجِديَّةِ، وأنْ يعقدَ مؤتمرٌ وطنيٌّ يُدعى إليه أكاديميون وأساتذةٌ مختصّون يقدّمون دراساتٍ تحليليةً معمَّقةً لما يجري، ولماذا يجري، وما هي السُّبلُ والاستراتيجياتُ التي منْ شأنِها أنْ تجنِّبَ الأوطانَ الهاويةَ التي يسيرُ إليها الشَّبابُ، كما أدعو إلى تشكيلِ لجانِ متابعةٍ يُهيَّأُ لها سبلُ التَّنفيذِ، وأدعو إلى الاجتماعِ بالشَّباب أو لجانٍ منتخبةٍ تمثِّلُهم للاستماعِ إلى مطالبِهم أو مظالمِهم ومقترحاتِهم، واستحداثِ قوانينَ رادعةٍ تعيدُ للعمليَّةِ التَّربويَّةِ هيبتَها التي فقدتْها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :