مرحلة الطفولة وملامح الشخصية الإنسانية
آية عويدي العبادي
21-10-2025 01:03 AM
الطفولة هي الملامح الأولى للإنسان، وهي التي ترسم شخصيته، وتحدد ملامح تفكيره وإحساسه، وهي أولى صفحات الكتاب الذي يمتلئ بالحياة والتجارب التي يكتبها الإنسان، إنها البذرة التي تنبت منها ملامح الوعي، والجذر الذي تمتد منه فروع الشخصية نحو الحياة.
ركز علم النفس على مرحلة الطفولة بشكل ملفت؛ لما لها من أهمية في تشكيل الشخصية الإنسانية وبناء الفكر والسلوك لدى الإنسان فيما تبقى من حياته؛ إذن، علم النفس أولى اهتمامه بهذه المرحلة، حيث التوعية حول الطفولة وما تتطلبه كل مرحلة من رعاية وفهم، بما يضمن تطورًا سليمًا على المستوى النفسي والاجتماعي والمعرفي، وكل تجربة يعيشها الطفل، مهما بدت صغيرة تترك أثرًا مستمرًا في بناء شخصيته، وتؤثر في طريقة تفكيره ومشاعره؛ لذلك، لا يمكن تجاهل أي جانب من جوانب اهتمام الطفل وعنايته منذ البدايات.
وما الطفولة إلا صفحة من صفحات الكتاب الذي سيقرأه الإنسان إما أن يبقى عالقًا بين صفحاته، أو يحاول إعادة صياغة بعض أوراقه، وربما يمزق الكثير منها في محاولاته لفهم ذاته، إن الطفولة هي مرحلة مهمة في تشكيل هذا الكتاب الإنساني؛ فالذكريات التي نحملها منها لا تُنسى، وغالبًا ما تبقى عالقة في الذاكرة مهما طال الزمن، إنها الرفيق الخفي الذي يسير معنا أينما ذهبنا، تذكّرنا بما كان، وتلون حاضرنا بما بقي منها.
الطفل لا يتعلم بالكلمات بقدر ما يتعلم بالعين التي تراقب، وبالقلب الذي يشعر؛ فهو مرآة صغيرة لما نكون، وما نزرعه في داخله من رعاية أو إهمال، سيكبر معه ليصير جزءًا من منطقه في فهم العالم، ومن طريقته في حب الآخرين أو التعامل معهم.
في الطفولة لا تُبنى المعرفة فقط، بل تُبنى القدرة على الفهم والثقة والتساؤل، فهي ليست مرحلة نحو النضج وحسب، بل هي أصل النضج نفسه؛ فكل توازن لاحق، وكل حكمة نصل إليها، إنما تعود إلى جذورٍ غُرست يوم كنّا نكتشف الوجوه والكلمات للمرة الأولى.
وحين نتأمل وجوه الأطفال، ندرك كم هي نقية، وكم نحن مسؤولون عن تشكيلها؛ إن طفل اليوم هو ذاكرة الغد، فإذا نشأ في بيئة آمنة تُصغي إليه وتؤمن بقدراته، نما بداخله إحساس عميق بقيمته، وبأن للعالم مكانًا رحبًا له.
الطفولة هي الطاقة الأولى التي تشحن الإنسان بالحياة؛ منها يتكوّن الضمير، و يُصاغ الفكر، وكل تجربة فيها، مهما بدت صغيرة، تترك أثرًا لا يُمحى في طريقة الشخص في مواجهة الحياة لاحقًا.
إن الاستثمار في الطفولة استثمار في إنسان المستقبل؛ فحين نحسن الإنصات إلى الطفل، نرسم ملامح مجتمع أكثر اتزانًا وعدلًا ووعيًا، فهي المرحلة التي تُؤسس للعقل الناقد، وللقلب الرحيم، وللذات التي تعرف كيف توازن بين القوة والرحمة.
لهذا، فإن الطفولة ليست بداية العمر فقط، بل هي أساس الوعي ومصدر إنسانيتنا الأولى؛ فمن هناك يبدأ كل شيء: الحب، والفضول، والبحث عن المعنى، ومن هناك يتكوّن الكائن القادر على أن يفهم نفسه والعالم.