حين يتحول المنصب الأكاديمي الى عبء اداري
د.جلال الشورة
21-10-2025 03:20 PM
تُعدّ رئاسة الجامعة من أعلى المراتب الأكاديمية والإدارية، فهي لا تقتصر على التسيير اليومي لشؤون المؤسسة، بل تتجاوز ذلك لتشمل قيادة فكرية، وتوجيهًا لمسار أكاديمي وعلمي وثقافي ينعكس على المجتمع بأكمله. غير أن بعض الجامعات تبتلى أحيانًا برئيس ضعيف الشخصية، لا يمتلك أدوات القيادة، ولا يملك الجرأة لاتخاذ القرار أو مواجهة التحديات. وهنا، يتحول المنصب من فرصة للنهوض بالمؤسسة إلى عبء يرهقها ويُقعدها عن التقدم.
رئيس الجامعة ضعيف الشخصية يتسم غالبًا بالتردد، والتراجع أمام الضغوط، والبحث عن السلامة على حساب الموقف. يُرجئ القرارات، يساير الجميع، ويتجنب المواجهة، فيضيع بين الأطراف ولا يمسك زمام الأمور. لا يستطيع فرض النظام، ولا حماية الحريات الأكاديمية، ولا حتى رسم رؤية واضحة لمستقبل الجامعة. فتصبح إدارته حالة "تسيير وقت" لا أكثر، دون أثر حقيقي.
إن انعكاسات هذا النوع من القيادة على الجامعة متعددة وخطيرة. فالبيئة الأكاديمية تفقد حيويتها، والكفاءات تُحبط أو تُقصى، والتعيينات قد تُدار بالمجاملة لا بالمؤهل، وتغيب الجرأة عن البحث العلمي، ويشيع التوتر بين العاملين نتيجة غياب الحزم والعدالة. والأسوأ أن الجامعة، كمؤسسة وطنية، تخسر احترامها في الداخل والخارج، وتُهمَّش تدريجيًا من دائرة التأثير.
المشكلة لا تقف عند حدود الشخص، بل تمتد إلى آليات الاختيار والتعيين. فعندما تغيب المعايير العلمية الواضحة، ويحل الولاء محل الكفاءة، يصبح المنصب وسيلة لتسكين الأطراف لا لتسكين المواد والنهوض بالمؤسسة. وإذا لم تكن هناك مساءلة حقيقية لأداء رؤساء الجامعات، فإن تكرار هذا النمط سيظل قائمًا.
الجامعات بحاجة إلى قيادات تمتلك الحضور والشجاعة، قادرة على حماية استقلال القرار الأكاديمي، وصناعة بيئة بحثية منتجة، وحل النزاعات بعدل، والتواصل الفعّال مع جميع مكونات المؤسسة. رئيس الجامعة الحقيقي هو من يستند إلى قوة شخصيته، وعمق تجربته، ونزاهة رؤيته، لا إلى موازين غير واضحة أو اعتبارات ظرفية.
في المحصلة، رئاسة الجامعة ليست مجرد وظيفة عليا، بل مسؤولية وطنية وثقافية وأخلاقية. وإذا أردنا لجامعاتنا أن تنهض بدورها الحقيقي، فلا بد أن نحرص على أن يتولى قيادتها من هم على قدر هذا الحمل، لا من يتوارى خلف المكتب ويكتفي بالتوقيع.