التوقيت المحلي وعلاقته بالتوقيت العالمي
أ.د خليفة ابوسليم
22-10-2025 05:58 PM
يشكل الإحساس بالزمن والأحداث احد اهم العوامل التي تعطي للحياة الإنسانية معناها حيث تشكل الأحداث المتعاقبة اوالمتزامنة المتعلقة بالحياة البشرية مجموع مفردات الحياة مثل العمر البيولوجي للإنسان، تعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة وغيرها. ولابد للإنسان من مرجع يقيس به الزمن ويُرجع اليه الأحداث وإلًا تكون قد فقدت معناها.
بذلك، يشكل التوقيت والتأريخ مقياساً أساسياً للحياة البشرية. وعلى ذلك، فقد تطورت المفاهيم المتعلقة بالتوقيت منذ ماقبل التاريخ بتطور المتطلبات الإنسانية من وسائل بدائية في الأزمان الغابرة الى مانحن عليه في الوقت الحاضر وبما يعرف بالتوقيت المحلي الوطني وعلاقته بالتوقيت العالمي. لقد تطورمفهوم الوقت واساليب قياسه من ملاحظات فلكية مثل حركة الشمس وطول الظل واطوار القمر وظهور النجوم واختفائها في الفترة التي تعرف بحقبة ما قبل التاريخ. وقد ظهرت في الحضارات القديمة مثل الإغريقية والصينية والفرعونية اختراعات لوسائل قياس زمنية اكثرعملية واكثردقة، فقد اخترعت الساعات الشمسية والساعات المائية. اما في القرون الوسطى فقد تم اختراع آلات ميكانيكية دقيقة تستطيع تحويل الحركة الميكانيكة من شكل الى آخر مثل الحركة الدورانية الى حركة اهتزازية حيث مكّن ذلك من اختراع الساعة الميكانيكية. هذا التطور ادى الى اختراع الساعة البندولية في القرن السابع عشر والتي زادت من دقة تحديد الوقت بشكل ملفت حيث نقص الخطأ في قياس التوقيت اليومي من دقائق الى ثواني.على انه لابد من ملاحظة ان تشابك المصالح والإختلاط بين المجتمعات القديمة لم يكن بالشكل الذي نعرفه حاليا لعدم وجود وسائل التواصل بينها ولعدم الحاجة لذلك. فقد كان كل مجتمع مكتفيا بذاته وكان كافيا له اعتماد التوقيت الذي يناسبه بعيدا عن المجتمعات الأخرى. لكن مع تطور وسائل المواصلات ودخول السكك الحديدية في القرن التاسع عشر في الخدمة كان لابد من ايجاد مرجعية موحدة بدءأ من التوقيت البريطاني بما يعرف بتوقيت غرينيتش وانتهاءً بالتوقيت العالمي الموحد في القرن العشرين والمعتمد على الساعات الذرية.
تعتبر المقدمة السابقة ضرورية لبيان اهمية الترابط بين التوقيت المحلي المعتمد في اي دولة مع النظام العالمي للتوقيت. يعتمد نظام التوقيت العالمي المعمول به حاليا على ركيزتين اساسيتين هما التوقيت المرجعي العالمي او ما يعرف بالتوقيت العالمي المنسّق حيث يعتبر زمن نقطة موجودة في المرصد الفلكي البريطاني في غرينيتش لندن والواقعة على خط وهمي (شمال-جنوب) يقسم الكرة الأرضية الى نصفين شرقي وغربي هو الزمن المرجعي او مايعرف بالزمن الصفري. بناءأ على هذه المرجعية، تقسم الكرة الأرضية الى 24 منطقة زمنية تمتد حول محيط الكرة الأرضية بحيث تغطي كل منطقة زمنية مسافة مقدارها 15 درجة دائرية او مايعادل حوالي 1670 كيلومتر شرق-غرب. بذلك، فإن الموقع الجغرافي لأي بلد هو الذي يحدد المنطقة الزمنية التي يتبعها مثال ذلك الأردن الذي يقع على خط الطول الواقع على الدرجة 35 شرق خط غرينيتش، بمايعادل حوالي 3700 كيلومتر شرق الخط المعياري الصفري. هذا الموقع الجغرافي يضع الأردن ودول اوروبا الشرقية في المنطقة الزمنية السابقة لتوقيت غرينيتش بساعتين. بمعنى انه عندما تكون الساعة الثانية عشرة ظهرا على خط غرينيتش تكون الساعة في الأردن الثانية بعد الظهر. ولابد من التنويه هنا الى الأمر كان كذلك قبل اعتماد التعاقب بين التوقيت الصيفي والتوقيت الشتوي، واعتماد التوقيت الصيفي كتوقيت دائم على مدار العام لاحقا.
لقد تم تبريراعتماد التوقيت الصيفي متقدما بثلاث ساعات عن توقيت غرينيتش بمبررات منها التخفيف من الإستهلاك المنزلي للطاقة. علما بأنه لاتوجد دراسات اكاديمية محكَمة تثبت ان تقديم الزمن بساعة واحدة، اواعتماد التوقيت الصيفي الدائم في اي دولة يوفر باستهلاك الطاقة. فجميع الدول تقريبا تضع مبررات التوفير في استهلاك الطاقة كسبب لتغيير الوقت معتمدة بذلك على تقارير حكومية داخلية غير محكمَه. ولابد من الإشارة ايضا الى انه حتى هذه التقارير لا تثبت بشكل مؤكد هذه الفائدة. ومن الأمثلة على ذلك التقرير الذي قدًم للكونغرس الأمريكي في عام 2008 بأن زيادة مدة اعتماد التوقيت الصيفي بأربعة اسابيع قد انقص الإستهلاك المنزلي من الطاقة بمعدل 0.5%. علما بان هذه النسبة المتواضعة، والتي يمكن ان تكون ضمن الخطأ التجريبي، لاتبرر تغيير التوقيت او اعتماد التوقيت الصيفي وتغيير انماط الحياة بجوانبها المختلفة من اقتصادية واجتماعية ودينية. ولابد ايضا من ادراك ان الظروف المحلية لكل بلد تختلف عن الأخرى،فمن الصعوبة اعتماد مايقرره بلد ما وتطبيقه بمعطياته في بلد اخر. فلا يمكن مثلا مقارنة طبيعة المواصلات ووسائلها في الأردن بنظيراتها في دول الخليج العربي او في اوروبا. اضف الى ذلك عوامل اخرى منها الترابط التجاري خاصة مايتعلق بقطاع البنوك والسياحة وتأثره بشكل مباشر بالتوقيت المحلي. فمثلا يكون التبادل المالي والسياحي بين الأردن ودول اوروبا انسيابيا اكثر اذا تشابهت ظروف التوقيت.
لقد تطورت العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار بشأن التوقيت المناسب المعتمد للدولة بحيث تشمل حاليا عوامل اخرى لا تقل اهمية عن الطاقة منها النشاط الإقتصادي الإجمالي والسلامة المجتمعية والسلامة الشخصية. فلم يعد معيار الطاقة هو العامل الأساسي في اعتماد توقيت محلي معين. و بناء على ماتقدم فإن التوقيت المتقدم بساعتين على التوقيت المعياري العالمي، والذي يضعنا في المنطقة الزمنية المناسبة لموقعنا الجغرافي من خط غرينيتش، هو التوقيت المناسب للأردن من جميع النواحي. واذا اردنا ان نأخذ بعين الإعتبار عوامل أخرى مثل التناسق مع دول الخليج الشقيقة فإنني اقترح اعتماد التوقيت المتقدم بساعتين ونصف على توقيت غرينيتش. هذا التغيير، والذي يجب ان يكون ثابتا ومعتمدا على مدار العام، يحقق التوازن بين المتطلبات المجتمعية المحلية، ويقترب من التوقيت الخليجي والتوقيت الأوروبي الذي نعتمد عليه كثيرا في تعاملاتنا التجارية والمالية والسياحية.