facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تُستدرج أسماء العشائر إلى ساحة التشهير


د. حسين سالم السرحان
24-10-2025 09:21 AM

*تأملات في زمن الانكشاف الاجتماعي..

في زمنٍ تتسارع فيه الموجات الرقمية وتتشابك فيه منصات التواصل، لم يعد التشهير حدثًا عابرًا، بل صار ظاهرةً اجتماعيةً ذات طاقةٍ سلبيةٍ مدمّرة، تُقحَم فيها الأسماء وتُستدعى الرموز، وتُمسّ من خلالها كرامة الجماعة بسلوكيات أفرادٍ يحملون أسماءها ولا يرون بأسًا في زجّها عند الحاجة فقط.

وما شهدناه مؤخرًا من إقحامٍ لأسماء عشائر أردنية عريقة وعزيزة وذات مكانة عالية في حكايةٍ تمسّ الأمانة والعلاقة الزوجية المقدّسة، إنما هو مشهدٌ موجِع يعكس اختلالًا في موازين الاتزان والوعي.

لقد تربّينا على أن العشيرة مؤسسةُ قيمٍ قبل أن تكون انتماءً دمويًّا. هي ميزانُ الشرف وضابطُ السلوك وراعيةُ الضبط الاجتماعي. ومن المؤسف أن نجد اليوم بعض الأفراد، حين تتعثر اختياراتهم أو تخيب حساباتهم، يسحبون تاريخ العائلة والقبيلة إلى فضاء الفضائح العامة، وكأن الاسم الجماعي بات مظلةً للتبرير لا رصيدًا للقيم.

إن ما جرى مؤخرًا من زجٍّ لأسماء عشائرٍ عزيزةٍ ومقدَّرةٍ من قبائل بدو الشمال في قصةٍ أقرب إلى دراما تواصلٍ اجتماعي منها إلى واقعةٍ قانونيةٍ غير أخلاقية، شكّل طعنةً في خاصرة الوعي الجمعي الأردني. فكيف يُستباح اسمٌ عشائريٌّ ارتبط بالعفّة والمروءة والهيبة، ليُذكَر اليوم مقرونًا بسلوكياتٍ تمسّ الأمانة وكرامة العلاقة الزوجية؟.

الزواج، الذي كان في ثقافتنا عقدَ سترٍ وسكينة، تحوّل في هذه الواقعة إلى مادةٍ للعرض والتشهير، تُروى تفاصيله أمام الملأ، وتُبثّ أسراره كما لو كانت مشهدًا من مسلسلٍ رديء الإخراج.

فمنذ البداية، كان الزواج مشروعًا معلنًا على فضائيات التواصل الاجتماعي، ثم انقلب إلى قضيةٍ ماليةٍ وإعلاميةٍ عنوانها الملايين والوجوه الباكية والاتهامات والصور. وبين الاتهام والدفاع، أُقحِم المجتمع الأردني كله في تفاصيل لا تعنيه، فتضخّمت الواقعة وتحوّلت من حادثةٍ فرديةٍ إلى موجةٍ سلبيةٍ شحنت الناس غضبًا ودهشةً وريبة.

من المؤلم أن يتحمّل المجتمع أوزار سوء اختيارٍ فردي. فعندما يخطئ المرء في اختيار شريك حياته، فلا شأن للناس بسوء اختياره. الزواج قرارٌ شخصي له ظروفه وغاياته ومسؤولياته، ولا يجوز تحويله إلى مادةٍ للتداول والإدانة العامة.

لكنّ الغرابة حين أصبحنا نعيش زمنًا تُلقى فيه الاعترافات على العلن كما يُلقى الغبار في الريح، دون وعيٍ بعواقبها على الذات والمجتمع.

كثيرون ذُهلوا من القصة التي أصبحت بعد حينٍ قضيةَ رأيٍ عام، وتلك الدهشة لم تكن استغرابًا من المال أو الثراء، بل من التناقض بين الصورة النمطية للبساطة البدوية ومظاهر الترف غير المألوفة. لقد كشفت الحكاية عن خللٍ في إدراكنا الجمعي لمعنى الصدق والادعاء، وللفجوة المتزايدة بين الواقع الرقمي والواقع الاجتماعي الحقيقي.

المشهد الأكثر إيلامًا لم يكن في أصل الحكاية، بل في ذيولها. حين خرج الأطراف إلى العلن يهدّدون ويتوعّدون ويزيدون النار اشتعالًا، أدركنا أننا أمام جيلٍ فقد لغة الصمت النبيل.

ففي الماضي، كانت العشيرة إذا أخطأ أحد أبنائها، تطأطئ الرأس وتقول: “نخجل من فعله”، ثم يُطوى الأمر بالحكمة والستر. أمّا اليوم، فقد صار الخطأ يُضاعَف بالصوت العالي، وكأن الكرامة تُستعاد بالتهديد لا بالعقل.

ما آلمني، كما آلم كثيرين، أن تُقحم أسماء عشائرٍ نعتزّ بها في وحلٍ لا يليق بتاريخها، وأن تُلوَّث سيرة بيوتٍ عُرفت بالعقل والخلق والمروءة بسبب تصرفاتٍ لا تمثّل إلا أصحابها.

كان الأجدر أن تبقى القضايا الشخصية والخلافات الأسرية في نطاقها الضيق، وأن نستعيد في خطابنا العام روح الاحترام والستر والضبط الاجتماعي التي صاغت شخصيتنا الأردنية على مرّ الأجيال.

فالعشيرة، مهما تنوّعت أسماؤها، ليست درعًا للتبرير، بل أمانةٌ تُصان من عبث الفرد، وكيانٌ رمزيٌّ أكبر من أن يُستعمل وقودًا للفرجة والفضائح.

وفي النهاية، علينا أن نتذكّر أن من يستهين باسم عشيرته، إنما يستهين بتاريخٍ من القيم التي شكّلت هوية هذا الوطن. فالعشيرة ميزان شرفٍ لا وسيلة تبرير، وسقف سترٍ لا منصة صراع.

لقد أصبحنا أمام منزلقٍ خطيرٍ سببه بريق الشهرة والثراء السريع ومحدثي النعمة وتحويل العلاقات الاجتماعية إلى سوقٍ للعرض والضياع.

فلنحتكم للعقل والقانون، ولنُحكِم صوت الحكمة قبل أن يطغى الضجيج على المعنى.

والله المستعان والساتر من القادم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :