غزة بحاجة الى رجل سلامً لا الى مجرم حرب
السفير الدكتور موفق العجلوني
25-10-2025 11:05 AM
في لحظة تاريخية فارقة، تقف غزة اليوم على أعتاب مرحلة ما بعد الحرب، تبحث عن بوصلة للسلام الحقيقي، لا عن إدارة جديدة تحمل إرث الدم والدمار. وفي هذا السياق، جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعيين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مشرفًا على مرحلة ما بعد الحرب في غزة ليعيد إلى الأذهان صورًا قاتمة من التاريخ القريب، ويثير موجة واسعة من الرفض العربي والإسلامي، كما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
العديد من الدول العربية والإسلامية أعربت عن تحفظات عميقة تجاه هذه الخطوة، ليس فقط بسبب دعم بلير للغزو الأميركي للعراق عام 2003، بل لأن الرجل يمثل نموذجًا صارخًا للسياسات الغربية التي لم تجلب للمنطقة سوى الفوضى والدمار. فكيف يمكن لمهندس حرب أن يتحول فجأة إلى مهندس سلام؟ !؟!!!!وكيف يُنتظر من مجرمً لطّخه التاريخ بدماء الأبرياء أن يتحدث عن المصالحة والعدالة؟
الدبلوماسيون الذين تحدثوا للصحيفة أشاروا إلى قلق عربي وإسلامي متزايد من الخطط الأميركية التي قد تُهمّش الدور الفلسطيني في إدارة غزة، وهو ما اعتبره البعض إعادة إنتاج لنهج الوصاية الأجنبية على القرار الفلسطيني.
فغزة، التي دفعت أثمانًا باهظة في سبيل حريتها، لن تقبل أن تُدار بقرارات مفروضة من الخارج أو بأسماء فقدت مصداقيتها الأخلاقية والسياسية منذ زمن بعيد.
لقد عبّر ت قبل أسبوعين في مقالٍ منشور في عمون الغراء بعنوان: "تعيين توني بلير على راس ادارة غزةً." بتاريخ 1/10/2025 اشرت فيه إنّ المنطقة لا تحتاج إلى "صنّاع أزمات متقاعدين"، بل إلى قادة يمتلكون ضميرًا إنسانيًا، يؤمنون بأن السلام لا يُفرض بالقوة، ولا يُبنى على ركام المدن ولا على دماء الأطفال. وان محاولة الرئيس ترامب تلميع صورته الدولية عبر تعيين بلير بمثابة جرس إنذار من تكرار أخطاء الماضي، ومن تحويل غزة إلى ساحة تجارب جديدة للمغامرات السياسية.
إنّ الرفض العربي والإسلامي لتولي بلير هذا الدور ليس مجرد اعتراض دبلوماسي، بل هو موقف أخلاقي وسياسي نابع من الذاكرة الجمعية للأمة. فالشعوب لم تنسَ بعدُ من أشعل حروبًا باسم "الحرية والديمقراطية"، ثم ترك المنطقة تغرق في الفوضى والدماء.
غزة اليوم لا تحتاج إلى "مجلس وصاية" غربي جديد، ولا إلى إدارة انتقالية تُرسم ملامحها في غرف مغلقة بعواصم القرار. غزة بحاجة إلى رجل سلام حقيقي، إلى صوتٍ عربيٍّ مؤمنٍ بالعدالة، إلى شريكٍ يضع مصلحة الفلسطينيين فوق كل حسابات القوة والنفوذ.
فالسلام لا يأتي عبر توني بلير، ولا عبر صفقات سياسية عابرة. السلام يولد حين تُرفع يد الاحتلال عن غزة، وحين تُمنح لشعبها فرصة العيش بكرامة وحرية، دون وصاية ولا إذلال.
إنّ غزة بحاجة إلى رجل سلام، لا إلى مجرم حرب، إلى ضميرٍ يضمد الجراح، لا إلى يدٍ كانت شريكًا في نزيفها. ومن لم يتعلم من دروس العراق، لن يفهم أبدًا معنى السلام في فلسطين.
مركز فرح الدولي للدراسات والابحاث الاستراتيجيةً
muwaffaq@ajlouni.me