الملك والجامعات الأردنية: نهضة فكرٍ ومسار وطن
د.مأمون الشتيوي العبادي
29-10-2025 12:49 AM
في خطابه السامي أمام مجلس الأمة في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 2025، وضع جلالة الملك عبدالله الثاني معالم خريطة الطريق لمستقبل الأردن، مستندًا إلى الثقة بالشعب، والعزيمة في مواجهة التحديات، والإيمان العميق بأن الإصلاح لا يكون إلا بالعمل.
ومن بين المحاور الجوهرية التي حملها الخطاب، كان التعليم وخصوصًا التعليم الجامعي أحد أبرز الأعمدة التي دعا الملك إلى النهوض بها، إذ قال جلالته بوضوح:
“وعلينا أن ننهض بنظامنا التعليمي، ليكون أكثر مواكبة لمتطلبات العصر…”
بهذه العبارة الموجزة، يوجّه الملك رسالةً استراتيجية إلى صُنّاع القرار في المؤسسات الأكاديمية: آن الأوان لأن تتحول الجامعات الأردنية من مؤسسات تلقين إلى منارات فكرٍ وإبداع، تربط التعليم بالواقع، والمعرفة بالتنمية، والخريج بسوق العمل.
إنّ “مواكبة متطلبات العصر” لا تعني فقط تحديث المناهج، بل تعني — كما يفهم من روح الخطاب — تجديد العقل الجامعي، وتحرير الطالب من ثقافة التلقين إلى ثقافة المبادرة، وتعزيز الشراكات بين الجامعة والمجتمع والقطاعين العام والخاص. فالجامعة التي لا تواكب العصر، تبقى رهينة الماضي، بينما الأردن الذي يريده الملك هو الأردن الذي يصنع مستقبله بيد أبنائه المتعلمين والمبدعين.
ولم يكن حديث الملك عن التعليم معزولاً عن رؤيته الاقتصادية والسياسية؛ فحين دعا إلى “الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي” و”توفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة”، فإنه يربط بين التعليم والتنمية، مؤكّدًا أن الإصلاح الأكاديمي هو مدخل أساسي للإصلاح الوطني الشامل. فالجامعة ليست جزيرة منفصلة، بل جزء من منظومة متكاملة تُسهم في بناء الدولة الحديثة.
إنّ الجامعات الأردنية اليوم مدعوّة إلى قراءة هذا الخطاب لا بوصفه نصًّا رسميًا، بل بوصفه وثيقة توجيهية تحمل رسالة من قائدٍ يعرف أن المستقبل يصنع في القاعات والمختبرات قبل أن يُبنى في المصانع والشركات.
إنها دعوة للجامعات لتكون حاضنةً للعقول الحرة، ومنبرًا للبحث والابتكار، ومدرسةً للوطنية الصادقة، تمامًا كما أرادها جلالة الملك عبدالله الثاني:
جامعات تُخرّج الأردني الذي “تعلم فعلم، الذي زرع فأطعم، الذي تميز فرفع رؤوسنا بين الشعوب”.