خفض الفائدة عالمياً وتأثيره على جيب المواطن الأردني
فيصل تايه
30-10-2025 09:15 AM
في ظل القرارات الاقتصادية العالمية الأخيرة بخفض أسعار الفائدة ، تبرز تساؤلات حاسمة حول تداعيات هذا الانخفاض على جيب المواطن الأردني ، وفي هذا السياق ، يظل المواطن يتساءل : لماذا لا يشعر بأي أثر مباشر على حياته المالية؟ إضافة إلى دور العدالة الاقتصادية وتأثير السياسات النقدية على الأسر، خصوصاً مع استمرار ارتفاع الأقساط والقروض مقارنة بمعدل الفائدة الرسمي.
وليس خافياً أنني كنت قد كتبت ونشرت قبل فترة قصيرة مقالاً حول هذا الموضوع ، مما يعكس استمرار متابعة التطورات العالمية وتأثيرها على الاقتصاد المحلي ، فمنذ أكثر من عام والعالم "يراقب بترقب" قرارات البنك الفيدرالي الأميركي وهو يخفض أسعار الفائدة تدريجياً، في محاولة لإنعاش الاقتصاد وتحريك عجلة الاستثمار والإنتاج، لتتداعى صدى هذه القرارات في كل العواصم ، ومن الملاحظ تسارع البنوك المركزية العربية، ومنها البنك المركزي الأردني ، لإعلان خفض أسعار الفائدة ، وكأن تلك البنوك تواكب إيقاعاً عالمياً لا يختلف فيه أحد ، بينما يقف المواطن الأردني على الحقيقة الواقعية نفسها ، اذ يبدو أن الواقع لم يتغير ، لتظل الفجوة بين القرارات الرسمية وما يعيشه المواطن يومياً واضحة ومؤلمة : الأقساط نفسها، القروض نفسها ، والهم المالي نفسه يثقل كاهله كما كان بالأمس.
من المعروف ان "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" خفض سعر الفائدة مؤخراً بمقدار (٢٥ نقطة أساس) ، والخطوة نفسها اتخذها البنك المركزي الأردني، مخفضاً أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية (٥٠ نقطة أساس) منذ أيلول ٢٠٢٤ ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه "بلا رتوش" : لماذا لا ينعكس هذا على جيب المواطن؟ لماذا لا يشعر الأردني بأن السياسة النقدية تخفف عنه أعباء القروض وتسهل عليه إدارة مصاريفه الشهرية؟ فكل شيء يبدو على الورق ، لكن الواقع مختلف تمامًا ، فالمواطن ما زال يدفع كما كان ، والفوائد على القروض لم تنخفض، في حين تقلصت العوائد على الودائع، وباتت البنوك التجارية أكثر قوة وربحية، تاركة المواطن في زاوية الانتظار.
واذا ما تحدثنا بلغة الارقام ، اذ انه وحتى نهاية سبتمبر ٢٠٢٥، بقي معدل الفائدة الرئيسي لدى البنك المركزي الأردني عند ٦,٢٥٪ ، بعدما كان ٦,٥٠٪ في ديسمبر ٢٠٢٤ ، في حين ظل متوسط سعر الفائدة على القروض البنكية تقريباً ٨,٩٪ ، ما يعني أن المواطن لا يزال يدفع أقساطاً أعلى من سعر السياسة النقدية بنحو ١,٨ نقطة مئوية أو أكثر ، حيث ان التضخم السنوي ورغم انخفاضه إلى نحو ١,٩٧٪ في الأشهر الخمسة الأولى من العام، لم يترجم خفض الفائدة إلى راحة مالية ملموسة في حياة الناس ، بل تركهم أمام حقيقة مؤلمة : أن قرارات المركزي وإن كانت صحيحة من الناحية النظرية، إلا أنها لم تصل إلى من يفترض أن يكون محور السياسة النقدية، وهو المواطن.
وهنا يبرز السؤال الذي لا يحتمل التأجيل : أين دور البنك المركزي الأردني في حماية المواطن؟ فالمواطن لا يطلب المعجزات، ولا يتوقع معاملة خاصة، لكنه يريد أن يشعر بأن السياسة النقدية ليست مجرد أرقام ، وأن خفض الفائدة على أدوات "المركزي" يترجم إلى خفض كلفة الاقتراض على المقترض الأردني ، أو على الأقل عدم زيادتها بشكل يفوق الهامش الطبيعي ، ما يستدعي رقابة واضحة، وشفافية في آلية احتساب الفائدة، وضماناً أن أرباح البنوك لا تأتي على حساب استقرار الأسرة الأردنية.
ومع ذلك، يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية : أين دور جمعية البنوك الأردنية والبنوك الأهلية؟ الجمعية التي تمثل القطاع المصرفي وتنسق بين البنوك ، والتي "يفترض" أن تعمل على توجيه ومراقبة سياسات البنوك بما يوازن بين الربحية وحماية المستهلك، لكنها لم يظهر لها أي أثر ملموس في هذا السياق ، اذ ان البنوك الأهلية على وجه الخصوص ، ما زالت تحتفظ بأسعار فائدة مرتفعة على القروض، دون أي تخفيض يذكر، وكأن خفض الفائدة الرسمي لا يعنيها، تاركة المواطن يتحمل الأعباء المالية وحده، بينما تستمر أرباحها في الزيادة بلا رقيب واضح.
لقد آن الأوان لأن يعيد البنك المركزي ترتيب أولوياته، ليس فقط لضمان استقرار الدينار أو ثقة المستثمرين، بل لضمان استقرار حياة المواطن الأردني ، فالنجاح لا يُقاس بمؤشرات السوق وحدها، بل بما يشعر به الناس في واقعهم اليومي ، والمواطن يريد أن يرى العدالة الاقتصادية في حسابات الدولة، ويريد أن تكون قرارات المركزي انعكاساً لمصلحته ، لا مجرد ترجمة لقرارات خارجية ، فخفض الفائدة يجب أن يكون خفضاً للهم المالي، لا مجرد رقم يضاف إلى نشرات البنوك، ولا خبراً عابراً في الصحف.
إن الرسالة "واضحة" وصوت المواطن صارخ : إذا كان العالم يخفض الفائدة ليعيش الناس برفاه أكبر ، فلماذا لا نزال نحن ندفع الثمن ذاته وننتظر الأمل ذاته ، دون أن يتغير شيء؟ ، لذلك ، فقد حان الوقت للبنك المركزي الأردني أن يتحمل مسؤوليته الكاملة، وأن يترجم قراراته إلى واقع ملموس يشعر به الأردنيون في حياتهم اليومية ، فالسياسة النقدية ليست مجرد أرقام، بل حياة الناس ومستقبل الأسر الأردنية، ومن حق كل مواطن أن يسأل : هل نحن في صف المواطن فعلاً، أم في صف البنوك؟
والله ولي التوفيق