عامر طهبوب .. حين تتحول الجراح إلى حبر، ويصير الوجع طريقًا للإبداع
د. حسين سالم السرحان
01-11-2025 09:16 AM
فرحت من أجل عامر بإشهاره روايتيه الجديدتين: “أرض الحرية – رحلة الصيف إلى الجزائر” و*“أرض الحرية – رحلة الشتاء إلى الجزائر”*، وكأنّه يعلن عن ثنائية العبور: صيف الحنين وشتاء الذاكرة، وطنٍ يلوذ به في دفاتر الحلم، وسفرٍ روحيّ إلى الجزائر التي اختارها مرآةً تعكس شغفه بالحرية وولعه بالانتماء.
وتذكّرت أنّه في مسيرة الأدب والإبداع، هناك كُتّابٌ يولدون من رحم الحياة، وهناك من تولد الحياة من رحم كتاباتهم.
عامر طهبوب من الفئة الثانية؛ ذاك الذي كلّما داهمه الزمن بأنيابه، خرج من بين فوضاه كالعنقاء، أكثر صفاءً ولمعانًا.
فكر عامر يشبه المعادن النفيسة التي لا تزداد تحت النار إلا نقاءً، ولا تخرج من المحن إلا وهي أكثر إشعاعًا في ليل الإنسانية الطويل.
ما جعل المناسبة عندي تتجاوز حدود الاحتفال الأدبي إلى فضاءٍ وجدانيّ عميق، هو تلك الخيوط الخفيّة التي جمعت بين الفرح والوجع والحنين، بين عامر الكاتب وعامر الأخ، بين الحاضر والراحل الجميل محمد، الذي بقي طيفه حاضرًا في قلب من أحبّه، كأنّ إشراقة الكتابين امتدادٌ لروحه، وكأنّ حروف عامر تتوضأ بذكرى الغائب الحاضر.
وفي الزاوية ذاتها من المشهد، تلتمع عبير، الأخت التي حملت الوطن في حقيبة المهجر، وبقيت في الذاكرة غالية كنجمةٍ لا يبهتها البعد.
لم يكن اختيار عمّان لتكون أولى محطات إشهار الكتابين محضَ صدفة، بل كان وفاءً خالصًا للمدينة التي يعرف عامر كيف يصنع من شوارعها تراتيل، ومن بيوتها ذاكرةً مضيئة. أراد أن تكون عمّان أول من يشاركه فرح الولادة الجديدة، كما لو أنّها أمّ رمزية لكلّ أبنائها المبدعين الذين لم تنل الغربة من جذورهم.
وفي كنف جمعية الحوار الديمقراطي الوطني، التي تحوّلت إلى بيتٍ دافئ يحتضن أبناءها المبدعين أينما كانوا، وجدت الأمسية روحها الأجمل.
فبقيادة رئيسها معالي الأخ محمد داودية (أبا عمر)، الرجل الذي يشبه في حضوره شجرة زيتون عتيقة تظلّل أبناءها بالدفء والعطاء، وبمشاركة نائب الرئيس النبيل في عطائه أسامة الرنتيسي (أبا عمر)، وأولئك الذين صعدوا المنصّة ليضيئوا بكلماتهم المشهد فخرًا وتفسيرًا واحتفاءً، ارتقى الحفل من كونه مناسبةً ثقافية إلى كونه مشهدًا من مشاهد الوفاء الوطني والإنساني.
لقد بدا المشهد كأنّه احتفالٌ بالكتابة ذاتها، وبالقدرة الإنسانية على تحويل التجربة إلى معنى، والوجع إلى فنّ.
عامر طهبوب، في كلّ ما يكتب، يؤكّد أن الأدب ليس ترفًا، بل مقاومةٌ ناعمة في وجه الخسارات، وأنّ الكلمة يمكن أن تكون وطنًا بديلًا حين تغترب الجغرافيا.
في إشهار “أرض الحرية”، لم نكن أمام كتابين فحسب، بل أمام روحٍ تصنع معنى الحرية من تفاصيل الحياة اليومية، وتعيد للكتابة رسالتها الأولى: أن تكون جسرًا بين الإنسان وظلّه، بين الحلم والواقع، بين الأرض والسماء.
وهكذا، خرج الحاضرون من الأمسية وهم أكثر يقينًا بأنّ الأدب، حين يكون صادقًا، لا يُكتب بالحبر فقط، بل بالروح أيضًا.
وأنّ عامر طهبوب لم يكتب عن الجزائر ليحكي عنها فحسب، بل ليحكي عن الإنسان في كلّ مكان، وعن الحرية التي تظلّ الحلم الأجمل، حتى وإن بدت بعيدةً كالأفق، أو مؤجّلةً كفجرٍ قادمٍ لا محالة.
مبارك لعامر هذا الإصرار والتحدّي على العطاء.