facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كتاب التحليل النفسي والدين


إبراهيم غرايبة
02-11-2025 09:47 AM

"ما يقوله بولص عن بطرس ينبئنا عن بولص أكثر من بطرس" سبينوزا

يقدم عالم النفس المهم إريش فروم (1900 – 1980) في كتابه هذا الأفكار الضرورية لفهم الظاهرة الدينية، مثل الحاجة إلى إطار للتوجه والإخلاص، وضرورة التفريق بين الفكر الديني والخبرة الإنسانية التي خلفه، وجوانب الخبرة الدينية وأنماطها، والمبدأ التسلطي والمبدأ الإنساني في الدين، وبيان أن الاعتقاد المعلين لا يعبر عن الاعتقاد الحقيقي للمرء، وأنه لا فكرة أقوى من منشئها الانفعالي.

يشترك علم النفس والدين في اهتمامهما بالجانب الروحي للإنسان. يقول فرويد إن العقل هو أعلى القدرات البشرية قيمة، وأشدها خصوصية، لكنه مع ذلك يخضع لتأثير العواطف التحريفي، ولا يمكن تحرير عقل الإنسان ليؤدي وظيفته كما ينبغي إلا بفهم عواطفه، وتمكين العقل من فهم الحقيقة. وبرغم أن المحلل النفسي ليس لاهوتيا أو فلسفيا ولا يدعي الاقتدار في هذين المجالين، ولكنه بوصفه طبيب الروح مهتم بتلك المشكلات التي تهتم بها الفلسفة واللاهوت: مشكلات روح الإنسان وعلاجها.

يقول فروم إن العلاقة بين الدين والتحليل النفسي أشد تعقيدا من أن توصف بالتوافق أو التعارض، وقد توقف عند هذه العلاقة بعمق كل من فرويد ويونغ على اختلاف بينهما، وهما في جميع الأحوال ليسا مع أو ضد الدين. ويحاول فرويد فهم الجذور السيكولوجية للدين، وأن يبين لماذا صاغ الناس فكرة "الإله" ولكنه يتجاوز هذه ا لجذور السيكولوجية إلى الزعم أن انتفاء الواقع في المفهوم التأليهي يبرهن عليه كشف أنه وهم قائم على رغبات الإنسان. ويعتقد فرويد أيضا أن الدين ينهى عمليا عن التفكير النقدي، كما أن رد الأخلاق إلى أنها أوامر دينية يجعل الأخلاق مرتبطة في قوتها وضعفها بعلاقة الناس بالدين، وفي مقابل ذلك يقترح فرويد لنفسه الإيمان بمعايير ومثل، مثل المحبة الأخوية والحقيقة والحرية والعقل. ويقول يونغ إن جوهر الخبرة الدينية هو الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، وفي ذلك يقول فرويد إن فرويد يعارض الدين باسم الأخلاق، وهو موقف يمكن أن يسمى دينيا، وأما يونغ فإنه يعتبر الدين ظاهرة سيكولوجية، وفي الوقت نفسه فإنه يجعل من اللاشعور ظاهرة دينية.

يعرف معجم أوكسفورد الدين بأنه إقرار الإنسان بأن لسلطة عليّة غير مرئية سيطرة على مصيره، وأنها تستحق الطاعة والإجلال والعبادة. وهذا تعريف ينطبق كما يقول فروم على الأديان الإلهية. ولكن هناك نوع من "الدين الإنساني" يتمحور حول الإنسان وقدرته عل العقل من أجل أن يفهم نفسه، وعلاقته بإخوته البشر، وموضعه في الكون، ويجب أن يتبين الحقيقة، وينبغي أن ينمي قدرته على محبة نفسه والآخرين والتضامن مع كل الكائنات الحية، وينبغي أن تكون لديه مبادئ ومعايير تشده إلى هذا الهدف، والخبرة الدينية هنا هي الوحدة مع الكل، القائمة على اتصال المرء بالعالم كما يفهم بالفكر والحب، والفضيلة هي تحقيق الذات وليس الطاعة، الله في الدين الإنساني هو رمز لقدرات الإنسان التي يحاول أن يحققها في حياته، وليس رمزا للقوة والهيمنة. ومن أمثلة الأديان الإنسانية البوذية والطاوية، وتعاليم أشعيا، وسقراط، وسبينوزا.

ولا وجود لأحد كما يقول فروم يخلو من الحاجة الدينية، والحاجة إلى امتلاك إطار للتوجه وموضوع للإخلاص، فقد يعبد الإنسان الحيوانات أو الأشجار أو الأوثان أو الإله غير المرئي أو الإنسان أو القديس أو الزعماء، وقد يعبد أسلافه أو أمته أو طبقته أو حزبه أو المال أو النجاح، وقد يفضي دينه إلى العدوان والتدمير أو الحب او السيطرة أو الأخوة، وقد يرفد قدرته العقلية أو يشلها، فليست المسألة هل الدين أم لا، بل أي نوع من الدين.

إن عبادة السلف هي بالفعل إحدى أوسع العبادات البدائية انتشارا في المجتمعات المعاصرة، فهي في تطبيقاتها النفسية والسلوكية تتمثل بالتعلق المفرط بالأم أو الأب، ولدينا أيضا قدر كبير من "الطوطمية" في ثقافتنا، يمكن ملاحظتها في تقديس الدولة أو العشيرة أو الحزب.

يقول فروم "إذا كان المحلل النفسي مهتما أولا بالواقع الإنساني خلف المذاهب الدينية؛ فإنه يرى أن الواقع ذاته يمكن في أساس أديان مختلفة، وأن المواقف الإنسانية متضادة تكمن في أساس الدين ذاته، فمثلا إن الواقع الإنساني الذي يمكن في أساس تعاليم بوذا أو أشعيا او المسيح أو سقراط أوسبينوزا في ماهيته ذاته. إنه يتحدد بالكفاح من اجل الحب الحقيقة والعدل والواقع الإنساني الذي هو خلف النظام اللاهوتي عند كالفن وخلف الأنظمة السياسية التسلطية متشابه جدا، إن روحه هي الخضوع للسلطة والافتقار إلى الحب وإلى احترام العقل."

"وكما أن الاهتمام الذي يشعر به الأبوان أو يعبران عنه حيال الطفل قدي كون تعبيرا عن الحب، وقد يعبر عن الرغبة في التحكم والسيطرة؛ فإن القول الديني قد يعبر عن مواقف إنسانية متعارضة. إننا لا ننبذ ذلك القول بل ننظر إليه في منظور يوفر الواقع الإنساني خلفه البعد الثالث." وخصوصا على ما يتعلق بصدق ادعاء المحبة تصدق هذه الكلمات " من ثمارهم تعرفونهم" وإذا أسهمت التعاليم الدينية في نماء المؤمنين بها وقوتهم وحريتهم وسعادتهم رأينا ثمار الحب، وإذا أسهمت في تضييق الإمكانيات الإنسانية، وفي الشقاء وانعدام الإنتاجية، فلا يمكن أن تكون وليدة الحب، بصرف النظر عن مسألة ماذا تقصدي العقيدة القطعية أن تنقل.

إيريش فروم/ التحليل النفسي والدين. ترجمة محمود منقذ الهاشمي، اللاذقية: دار الحوار، 2012





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :