facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من أجل طبق البيض .. أنا مع الكاميرات ولست مع رقيب السير


محمود الدباس - أبو الليث
03-11-2025 12:44 PM

يحكى أن رجلاً بسيطاً.. كان عائداً إلى بيته بعد يوم طويل من التعب في السوق المركزي.. يحمل في يده طبق بيض اشتراه ليكمل به طعام يومه.. وقبل أن يصل البيت.. لمح قشرة موزٍ على الطريق.. فقال كلمته التي تحولت إلى مثلٍ دارج بين البسطاء "له له له.. راح طبق البيض".. وكأنه تيقّن أن سقوطه قادم لا محالة.. وأن البيض لن ينجو من القَدر الذي يتربص به..

تلك الصورة البسيطة.. تختصر مشهداً يومياً يعيشه السائق الأردني.. حين يرى دورية سير تقف على جانب الطريق.. فيقول في نفسه "له له له.. راح مصروف الشهر".. فليس في ذهنه أن الهدف هو تنظيم المرور.. أو حماية الأرواح.. بل غُرِس في وعيه أن رقيب السير هناك ليصطاده.. لا ليحميه.. وأن السيارة في نظرهم ليست وسيلة نقل.. بل مشروع مخالفة مؤجلة للوقت الذي يختارونه..

إنني اليوم.. وبعد أن مررت بتجربة شخصية.. أقولها بوضوح.. ومن دون أي تردد.. أنا مع الكاميرات.. مع العدسات التي لا تعرف الواسطة.. ولا تخضع للمزاج.. مع العيون التي لا تميز بين لوحة وأخرى.. ولا تعرف مَن هو ابن المسؤول.. ومَن هو العامل الذي يسوق سيارته "المكركعة".. الكاميرا لا تبتسم في وجه أحد.. ولا تغض الطرف عن أحد.. ولا تُرخي قبضتها لأن الجو حار.. أو المدير مشغول.. أو "عبينا" اليوم دفتر مخالفات..

الكاميرا لا تشرب قهوتها الصباحية قبل أن تبدأ عملها.. ولا تتأثر بمزاجها.. ولا ترفع يدها لأنها "شافتك بعينها.. ولم يعجبها شكلك".. إنها أداة عدلٍ صامتة.. لا تعرف المحاباة.. ولا تعرف الانتقام.. فكم من سائقٍ تم إيقافه.. ومخالفته لأن رقيب السير قرر فجأة.. أن اليوم لا بد أن يُخالف أحدهم.. وكم من مخالفٍ حقيقي مرّ بسلام.. لأن الدورية غابت عن مكانها.. أو لأنها رأت أن الوقت لا يسمح بالوقوف.. أو انشغلوا بالهواتف.. تلك هي المشكلة الحقيقية.. أن العدالة حين تُربط بالمزاج البشري تفقد معناها.. وحين تصبح المخالفة خاضعة لكيف.. ومتى وأين.. فإنها تتحول من أداة ردعٍ.. إلى وسيلة جباية..

لكن هذا لا يعني أنني ضد وجود رقباء السير.. بل على العكس تماماً.. فأنا مع وجودهم حيث يكون وجودهم منطقياً وإنسانياً.. مع أن يكونوا اليد التي تُسهل انسياب السير.. وتفك الاختناقات.. وتعالج أي عائق يربك حركة الشوارع.. ومع أن يتدخلوا حين يرون مخالفة لا تستطيع الكاميرات ضبطها.. كمن يستعرض بسيارته متهوراً بين المركبات.. أو مَن يركّب مضخمات صوتٍ تزعج الناس.. وتشوّه صورة الشارع العام.. فهؤلاء لا تلتقطهم العدسات دائماً.. لكن عين الإنسان الحاضرة.. يمكنها أن تردعهم في لحظتها.. لا أن يكونوا هم العائق لحركة السير.. بإيقافهم المركبات في أماكن التسوق المكتظة أصلاً.. وبتعطيلهم المواطن بإيقافة مرتين.. أو ثلاثة ضمن مسافة لا تتعدى الأربعة كيلومترات..

في زمن الكاميرات.. لن يكون هناك مجال لأن تقول لماذا أنا فقط؟!.. لأن العدالة الرقمية.. لا تعرف "مَن" بل تعرف "ماذا".. فمن خالف.. سيُخاَلف.. ومَن التزم.. سيمر دون أن يلتفت أحد إليه.. لن يكون هناك يوم مراقبة.. ويوم راحة.. ولن تحتاج الإدارة لتبرير غياب الدوريات عن اماكن معينة.. فالكاميرا لا تغيب.. ولا تنام.. ولن تبقي الغصة في قلوب مَن تمت مخالفتهم.. وهم يشاهدون غيرهم يرتكبون نفس المخالفة.. ولم تُحرَر أية مخالفة بحقهم..

نعم.. أنا مع الكاميرات.. لأنها ستحررنا من فكرة أن الطريق فخّ منصوب.. وأن رقيب السير ينتظر -بمزاجية- خطأنا لا ليصححه.. بل ليُدونه.. أنا معها لأنها تزرع الطمأنينة في قلب مَن يقود ملتزماً.. وتزرع الخوف في قلب مَن يستهين بالقانون.. أنا معها لأنها ستكسر احتكار التقدير الشخصي والمزاجية للخطأ.. وتُسقط وهم العين التي ترى مَن تشاء.. ومتى تشاء..

فما أريده ليس دولة تُكثر من الغرامات.. بل دولة تزرع العدل.. حتى في تفاصيل السير.. وحين يصبح الطريق محكوماً بعينٍ لا تعرف الغضب.. ولا الابتسام.. وعقل بشريٍ يتدخل فقط.. حين يكون التدخل ضرورة.. حينها فقط.. سنشعر أن المخالفة لم تكن عقوبة.. بل تربية.. وأننا لم نخسر طبق البيض.. بل أنقذنا ما تبقى من المزرعة كلها..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :