يعاني قطاع النقل العام في الأردن من مشكلات مركّبة تراكمت على مدى سنوات، جعلت منه واحدًا من أكثر القطاعات تراجعاً وتاثيراً على حياة المواطنين واقتصاد الدولة. فبدل أن يكون وسيلة مريحة ومنظمة للنقل الجماعي، أصبح دافعاً غير مباشر لاقتناء المركبات الخاصة، ما أثقل كاهل الأسر الأردنية بالديون البنكية، وزاد من تكاليف الصيانة والوقود، خصوصاً أن كثيراً من المواطنين اضطروا إلى شراء سيارات منخفضة الكلفة ورديئة الأداء، ما تسبب باستنزاف دخولهم ورفع حجم الأعباء الاقتصادية على مستوى الوطن.
ما دفعني لإعادة فتح هذا الملف هو مشاهدات يومية مؤلمة لنقل الطلبة، خصوصاً في المدارس الحكومية، بوسائل نقل غير مرخصة ولا تتوافر فيها أدنى معايير السلامة. كثير من هذه المركبات غير صالحة فنياً وتعمل بشكل عشوائي، ما يجعل الطلبة عرضة للخطر الجسدي والنفسي يوميًا، في غياب منظومة نقل آمنة ومنظمة تخضع للرقابة والمساءلة.
من هنا، يبرز السؤال الجوهري: أما آن الأوان لأن يُعامل قطاع النقل العام كخدمة أساسية تقدمها الدولة للمواطن، شأنها شأن التعليم والصحة؟ أليس من المنطقي أن نخرج من عباءة الملكية الفردية للنقل العام التي أفرزت فوضى تشغيلية وتفاوتاً في الجودة، نحو منظومة تشغيل مؤسسية حديثة تديرها الدولة أو البلديات بفعالية؟
لدينا منذ عام 2017 قانون النقل العام رقم (10) مكتمل تشريعياً، لكنه ما زال حبيس الأدراج، كما أن صندوق النقل العام الذي يفترض أن يكون الذراع التمويلية لتنظيم هذا القطاع لم يُفعّل . تفعيل هذين المسارين وحده كفيل بإحداث نقلة نوعية تضع أسس العدالة في الخدمة وتخفف الضغط عن المواطن.
لقد آن الأوان لأن تتحمل البلديات مسؤوليتها المباشرة في تشغيل قطاع النقل العام، ضمن أطر تنظيمية تضمن استدامة الخدمة وجودتها، وتربطها بخطط التنمية المحلية. فالنقل ليس ترفاً ولا خياراً ثانوياً، بل ركيزة أساسية لأي مجتمع متماسك واقتصاد منتج. وبدون نظام نقل عام فعّال، سيبقى المواطن أسير سيارته، وستبقى الطرق مزدحمة، والديون تتضخم، والاقتصاد الوطني ينزف بصمت.