في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية والمعرفية، وتتعاظم فيه الحاجة إلى تعليم عصري يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين ، تأتي منصة "أجيال" التابعة لوزارة التربية والتعليم الأردنية لتجسد رؤية وطنية طموحة في التحول الرقمي للتعليم ، وتؤكد أن الأردن ماض بثقة في مسار التحديث والإبداع.

لقد أولت القيادة الرشيدة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم ، أهمية كبرى لتوظيف التكنولوجيا في خدمة الإنسان ، وتعزيز كفاءته ومعرفته، وهو ما ترجم عملياً من خلال دعم حكومة دولة الدكتور جعفر حسان لمشروعات التحول الرقمي، وعلى مقدمتها مشروع "منصة أجيال"، الذي يعد نقلة نوعية في بنية النظام التعليمي والإداري في المملكة، ويشمل تدريجياً أكثر من ٢ مليون طالب وطالبة في أكثر من ٤٠٠٠ مدرسة حكومية وخاصة، بحسب أرقام وزارة التربية والتعليم لهذا العام، كما تم ربط أكثر من ٢٠٠٠ مدرسة ومديرية تربية بشبكات الألياف الضوئية، وتوفير خدمة Wi‑Fi في حوالي ١٥٠٠ مدرسة لتعزيز الوصول الشامل للمنصة في مختلف أنحاء المملكة.

ليست "منصة أجيال" مجرد نظام إلكتروني ، بل فلسفة تربوية جديدة تعيد تعريف العلاقة بين الطالب والمعلم وولي الأمر والإدارة التعليمية، عبر بيئة رقمية موحدة تسهل التواصل وتعزز الشفافية، وتساهم في رفع كفاءة الأداء التربوي ، إذ تتيح للطالب متابعة تحصيله الأكاديمي ونتائجه وسلوكه بصورة لحظية، مع دعم التعلم التفاعلي والشخصي، وأدوات تقييم ومتابعة مبنية على التحليلات الذكية، وتعزيز المحتوى الرقمي الوطني ، كما تزود المعلم بأدوات رقمية متقدمة لإدارة صفه بفاعلية، وتفتح أمام ولي الأمر نافذة إلكترونية تمكنه من الاطلاع الدائم على مسيرة أبنائه التعليمية دون عناء أو تأخير ، اذ أعلنت الوزارة أن فتح حساب لأولياء الأمور سيكون متاحاً خلال أسبوعين لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة .

ولا يمكن الحديث عن "أجيال" دون الإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، لتطوير هذا النظام الوطني المتكامل ، فتلك الجهود المتواصلة تعكس إصرار الدولة الأردنية على أن يكون التعليم الرقمي واقعاً ملموساً لا شعاراً مؤقتاً ، اذ أن المنصة جاءت بديلاً لنظام "الإيميس" السابق لتوحيد الخدمات التعليمية والإدارية في نظام رقمي واحد أكثر مرونة وكفاءة ، كما أطلقت الوزارة سلسلة فيديوهات إرشادية على YouTube لمساعدة الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور في استخدام المنصة بفاعلية.

كما تسهم المنصة في إدارة البيانات التربوية على مستوى المملكة، من خلال توفر أدوات تحليلية وتقارير ذكية تساعد في تحسين جودة العملية التعليمية وتقييم الأداء بشكل مستمر، بحيث يصبح اتخاذ القرار التربوي مبنياً على معلومات دقيقة ومحدثة، مما يرفع من جودة التعليم، ما يتيح للوزارة وإدارات المدارس التخطيط بكفاءة أعلى، فهي بحق العقل الرقمي الجديد للتعليم الأردني.

إن ما يميز "منصة أجيال" أنها جاءت منسجمة تماماً مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي والإداري ٢٠٣٣، ما يشكل جزءاً محورياً من الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في القطاع التربوي، وهو مثال على التعاون بين مؤسسات الدولة لتحقيق تكامل إداري ومعرفي شامل يخدم الطالب والمعلم والمجتمع التعليمي بأسره، ويمثل ركيزة في بناء الإنسان الأردني القادر على التعلم والإنتاج في بيئة معرفية متطورة، فالتعليم الرقمي لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة وأساس لإعداد أجيال تمتلك مهارات المستقبل في التفكير الناقد والإبداع والابتكار.

يجب ان نعي تماماً إن "منصة أجيال" مشروع وطني بامتياز ، يعبر عن إيمان الأردن بأن مستقبل التنمية يبدأ من المدرسة، وأن الاستثمار في التعليم هو الاستثمار الحقيقي والأسمى في الإنسان، فمن خلال هذه المنصة، يتحول الطالب إلى محور العملية التعليمية، والمعلم إلى ميسر للتعلم، وولي الأمر إلى شريك فاعل في صنع مستقبل أبنائه.

بهذا المشروع الرائد، يؤكد الأردن مرة أخرى أنه يسير بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد المعرفة وتعليم المستقبل، وأن الإرادة السياسية والحكومية جادة في جعل التحول الرقمي جزءاً من هوية الدولة الحديثة.

في ضوء ما تقدم، فإن "منصة أجيال" تستحق أن تقدم كنموذج وطني يحتذى به في المنطقة، فهي ثمرة رؤية ملكية ثاقبة وجهد حكومي جماعي منسجم وإيمان بأن التعليم هو بوابة بناء الإنسان والوطن.

فهذه تحية تقدير لكل من أسهم في هذا المشروع الوطني الكبير، وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وسمو ولي العهد الأمين ، ودولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، ومعالي وزير التربية والتعليم، ووزير الاقتصاد الرقمي والريادة وكافة فرق العمل الميدانية التي عملت بإخلاص لتجعل من "أجيال" عنوانًا للتقدم والريادة.

إنها بحق "أجيال تصنع المستقبل" .. على أرض أردن عريق لا يتوقف عن التجديد والعطاء.

والله ولي التوفيق.