في زمنٍ يقدّس الواقعية، يظهر بين الحين والآخر شخصٌ يذكّرنا أن الواقع نفسه فكرة قابلة لإعادة التشكيل.
وعمر عايش هو أحد هؤلاء... رجل بدأ من الصفر، لكنه لم يعترف يومًا بأن الصفر نقطة بداية، بل اعتبره منصة انطلاق.
من البدايات المتواضعة إلى هندسة الأحلام. قبل عشرين عامًا كان شابًا عاديًا في دبي، لا رأس مال، لا نفوذ، ولا فرصة جاهزة.
كل ما كان يملكه فكرة صغيرة عن نفسه: أنه خُلق ليصنع شيئًا مختلفًا.
بدأ موظفًا بسيطًا يتعلّم ويستمع ويلاحظ، ثم انتقل إلى قطاع السيارات، حيث فهم أن الثقة تُقاس بالنتائج لا بالكلام.
لكنه كان يرى ما وراء الزجاج: مدينة تتشكل، وأحلامًا تبحث عن منفذين.
عندها قرر أن يقفز من مقعد الموظف إلى مقعد صانع المدن.
في زمن دبي الذهبي، حين كانت تصنع معجزتها العمرانية والاقتصادية، كان عمر عايش أحد الذين آمنوا أن هذه اللحظة ليست محلية بل كونية.
دخل عالم العقار لا كتاجر، بل كمبتكر. رأى فيه مختبرًا لتجسيد الخيال. خاض المخاطر، راهن على المستقبل... وربح.
لأنه يفكر أسيًا (Exponential Thinking) — كما يشرح البروفسور رفعت الفاعوري — أي أنه يرى النمو لا كخطة خمسية، بل كقفزة هندسية إلى ما بعد المنطق.
يفكر كما تفكر شركات الـ يونيكورن؛ لا يقيس النجاح بالأرباح، بل بقدرته على تغيير قواعد اللعبة.
ولذا حين يسير الجميع بخط مستقيم، يختار هو التحرك في منحنى تصاعدي.
يسميه البعض "مجنونًا"، وهو لا ينفي التهمة، بل يتبنّاها بفخر:
"الجنون هو ما يجعلنا نكسر الجدار بين الممكن والمستحيل."
من دبي إلى العالم... ثم إلى الأردن.
بعد أن ترك بصماته في مدن عديدة، عاد لا ليستقر، بل ليبدأ من جديد.
مشاريعه اليوم ليست عمارات، بل مدنًا متكاملة تُدار بالعقل وتُلهم بالعاطفة.
مدنٌ تؤمن أن البناء الحقيقي يبدأ من الإنسان.
ربما كان عمر عايش مجنونًا فعلاً، لكنه جنونٌ استباقي، يجعل الآخرين يبدون متأخرين وهم في ذروة وعيهم.
إنه لا يلهث وراء النجاح، بل يصنع معناه الخاص.
وحين يصبح الإلهام معديًا، ندرك أن الجنون المؤمن فكرة قابلة للانتشار.
سمعت عنه كثيرًا، إلى أن استمعت إلى مقابلته مع الباشا سمير الحياري.
استمعت إليها عشر مرات، وفي كل مرة خرجت بانطباع جديد:
أن الجنون حين يؤمن، يتحول إلى طاقة بناء.
عمر عايش ليس رجل أعمال عاديًا، بل فكرة تمشي على الأرض.
والأردن بحاجة إلى مثل هؤلاء "المجانين الإيجابيين" ليكسروا البيروقراطية ويصنعوا القفزة التي انتظرناها — قفزة 10X.