حين يتحول الحلم من "بيت العمر" الى "عبء العمر"
فيصل تايه
09-11-2025 09:07 AM
حين يتحول حلم المواطن في بيت العمر إلى عبء ثقيل يكاد يخنق الروح قبل الجيب، ويغرقه وسط أرقام وفوائد لا تنتهي، وسنوات طويلة من الدفع المستمر، تصبح كل نقطة عرق وكل لحظة كد لم تسدد سوى جزء ضئيل من القرض ، بينما قيمة البيت تتضاعف إلى أرقام لا يمكن تصديقها، فيتحول الحلم إلى شبكة لا تنتهي من الأرقام والفوائد التي تثقل الروح قبل الجيب، والبيت الذي كان طريق الأمان يصبح عبئاً نفسياً واجتماعياً ثقيلاً ، فالابناء يكبرون، والبيت الذي كان حلماً أصبح سراباً بعيداً ، وأرقامه تكاد تخنق الأمل في نفوس الأسرة ، وما يزيد الوجع أن القرارات المالية التي وضعت لتسهيل الحياة أصبحت في كثير من الأحيان عبئاً جديداً على الناس، وكأن المواطن يعيش بين حلمه وورقة توقيع لا ترحم ، والبنوك تبدو وكأنها تستنزف جيوب المواطنين، والرسوم والفوائد المتراكمة تثقل كاهل كل أسرة بلا رحمة.
المواطن لم يطلب رفاهية أو امتيازاً ، بل أراد أن يرى ثمرة جهده تصل إلى حلمه المشروع في بيت صغير يحميه ويمنحه الاستقرار والكرامة، وشعوراً بالطمأنينة، لا عبئاً يرهق قلبه وجسده ، ومع كل يوم يمر وكل قسط يسدد، يزداد عليه الضغط النفسي والاجتماعي، بينما سنوات العمر والعمل المستمر لا تتوقف، والبيت الذي اعتقد أنه أمان أصبح مأساة رقمية ، فالأرقام والفوائد لا تنتهي، واصبحت عبء لا يعرف الرحمة، وكمية من المعاناة تكاد تجعل العقل ينهار.
انه ورغم أهمية أي إعلان عن تخفيض الفائدة من البنك المركزي، إلا أن أثره غالباً لا يصل للمواطن ، القروض تظل متصاعدة، وتجديد العقود يزيد العبء، وكأن كل بنك له انظمته الخاصة وقوانينه التي لا تمس ، وأي خطوة نحو الاستقرار تتحول إلى تحد مستحيل، فالبنوك تتعامل وكأنها جزر مالية مستقلة، لكل منها قوانينها التي لا ترى وجوه الناس خلف الأرقام ، فالمواطن يدفع عمره كله بينما البنوك تواصل ابتلاع جزء كبير من دخله قبل أن يشعر بأي طمأنينة، وكأن كل خطوة نحو الاستقرار المالي هي معركة ضد القوانين نفسها ، وهنا، يجب أن يدرك أصحاب القرار أن كل توقيع على قرار مالي يعني بيتاً يبنى أو حلماً ينهار.
المواطن الأردني يتطلع إلى أن يرى أثر أي قرار مالي في حياته اليومية، وأن يلمس مباشرة نتائج أي تعديل في الفوائد أو مراجعة للعقود، ليشعر أن النظام المالي يحميه ويقف إلى جانبه، وأن حلمه في البيت الصغير لا يتحول إلى عبء مستمر يثقل حياته وطاقته ، فكل يوم يسدد فيه القسط هو شهادة صبر وصمود، وفرصة لإثبات أن العدالة المالية ممكنة، وأن الدولة قادرة على الموازنة بين حماية المواطن واستقرار النظام المالي.
يحب ان يعي اصحاب القرار ان السكن هو الماوى المستحق لكل مواطن وهو أساس الحياة وركيزة الكرامة الإنسانية، فالمسؤول الحقيقي هو من يشعر بوجع المواطن قبل أن يسمع صوته، ومن يرى أن حماية الحق في السكن هي حماية للوطن ذاته ، والبنوك تعمل على تحويل جهده وعرقه "باسم التسهيلات البنكية" إلى أرباح لا تنتهي، ويظل المواطن رهينة نظام مالي يثقل حياته يوماً بعد يوم ، فأي نظام مالي أو مصرفي يجب أن يحمي هذا الحق قبل أي أرباح ، فالمواطن الأردني يستحق أن يعيش بكرامة، وأن يشعر أن جهده وعمله لم يذهب هدراً، وأن القرارات المالية تترجم إلى واقع ملموس يخفف العبء ويعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية.
كل خطوة نحو امتلاك البيت يجب أن تكون مدعومة بتسهيلات حقيقية وبنظام مالي عادل، يضع الإنسان في قلب المعادلة، لا مجرد رقم في دفاتر البنوك ، فالمواطن يحتاج أن يشعر بالأمان والاستقرار، وأن يعرف أن المؤسسات الرسمية المعنية تقف إلى جانبه دائماً ، تحمي حقوقه وتؤكد أن حلمه مشروع لا يمكن المساس به.
لقد حان الوقت لتفعيل العدالة في التمويل السكني، من خلال وضع سقف واضح للفوائد، وضمان أن أي تعديل في الفوائد ينعكس مباشرة على حياة المواطنين، ومراجعة العقود المعقدة، وتوفير الحماية للأسر التي بذلت العمر كله في سبيل تحقيق حلمها المشروع في بيت صغير ، فالمواطن يستحق أن يرى أن الدولة تعمل بحزم لمصلحته، وأن كل مؤسسة مسؤولة عن حماية حقوق الناس، وأن الحق في السكن ضرورة أساسية لاستقرار الأسرة والمجتمع، ولإعادة الثقة بين المواطن والنظام المالي.
فيا أصحاب القرار ، إن الإصلاح لا يكتمل إلا حين يشعر المواطن بأثره في حياته اليومية، في قسطه الشهري وفي طمأنينته داخل بيته ، وإذا كان البنك المركزي هو عقل الاقتصاد الوطني ، فان المواطن هو قلب الوطن ، والعقل لا يستقيم دون نبض عادل ، والمسؤول الذي يخفف عبء بيتٍ واحد، يرفع عبء وطن بأكمله.
لا يمكن بعد الآن السكوت عن هذه المأساة ، فكل يوم تأخير يعني مزيداً من المعاناة والديون، ومزيداً من الإحباط الذي يقتل الحلم ويبعد الوطن عن قلب مواطنيه ، فقد آن الأوان للعدل، للشفافية، ولحماية فعالة.
اعود الى القول مرة اخرى ان بيت العمر ليس رفاهية، إنه حق مستحق ، والسكن ليس امتيازاً، بل أساس الحياة وركيزة الكرامة الإنسانية، ومن واجب الدولة والبنك المركزي مراجعة وتقييم سياسات البنوك لضمان أن يتحقق هذا الحق، وأن يعود الأمل لكل من سعى وعمل ليبني حياة كريمة له ولأسرته ، فالمسؤول الذي يخفف عبء بيت واحد ، يرفع عبء وطن بأكمله.