facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




موازنة الدولة والطريق نحو النمو المستدام


م. عبدالفتاح الدرادكة
09-11-2025 01:35 PM

في مقالٍ حديث للدكتور رعد التل نُشر بتاريخ 8 تشرين الثاني 2025 حول موازنة الدولة للعام 2026، عبّر الكاتب عن تفاؤله النسبي بالموازنة، رغم ما تحمله من مؤشرات تستحق الوقوف عندها. فقد أظهرت الأرقام أن النفقات التشغيلية بلغت 11.456 مليار دينار، أي ما نسبته 87% من إجمالي الإنفاق العام البالغ 13.056 مليار دينار، مقابل 1.69 مليار دينار فقط نفقاتٍ رأسمالية. وهذه الأرقام ليست جديدة على الموازنات الأردنية، إذ تتكرر سنويًا مع زيادة طفيفة في الإيرادات والإنفاق، ما يستدعي مراجعة جذرية لطبيعة الإنفاق العام وهيكله.

تشمل النفقات التشغيلية بنودًا أساسية مثل الرواتب والأجور والخدمات وخدمات الصيانة والتشغيل وخدمة الدين العام وغيرها، وهي ضرورية لاستمرار عمل الدولة ومؤسساتها، لكنها في الوقت نفسه لا تُسهم بشكل مباشر في خلق فرص العمل بما يتناسب والحلول التي من شأنها مواجهة حجم البطالة أو تعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي. لذلك، فإن النظر إلى هذه الأرقام يجب أن يكون بعينٍ ناقدة، لا سيما أن التوسع في النفقات التشغيلية دون مقابلٍ إنتاجي يؤدي إلى إرهاق الخزينة وتراجع القدرة على الاستثمار في القطاعات المنتجة.

إن تعظيم النفقات الرأسمالية هو الخيار المنطقي والطبيعي لأي اقتصاد يسعى للنمو. فكل دينار يُنفق على المشاريع الإنتاجية والبنية التحتية والتعليم والصناعة يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتوفير فرص عملٍ جديدة، ما ينعكس إيجابًا على معدلات البطالة والنمو. ومن هنا، يمكن القول إن زيادة الإنفاق الرأسمالي تعني استثمارًا في المستقبل، بينما يمثل الإنفاق التشغيلي استهلاكًا للحاضر.

وفي هذا السياق، جاءت مبادرات الحكومة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، والمشاريع الكبرى مثل الناقل الوطني للمياه ومشروعات استخراج الغاز والمعادن، لتمنح الموازنة بعدًا تنمويًا مهمًا. إذ خُصص لهذه المشاريع ما يقارب 1.6 مليار دينار، أي ما نسبته 12.3% من إجمالي الإنفاق العام، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت لا تزال متواضعة قياسًا بحجم التحديات.

لا يمكن بناء موازنة متوازنة دون ضبط النفقات التشغيلية. فالكثير من المصاريف الحكومية ما تزال تُنفق في بنود يمكن الاستغناء عنها أو تقنينها، مثل السفريات الخارجية، والمكافآت، والمصاريف الإضافية التي لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي. ومن الضروري إعادة النظر في تعليمات صرف المكافآت والعلاوات التي تمنح الوزراء أو المدراء صلاحيات واسعة، بحيث تُربط بالمردود الفعلي والإنجاز لا بالموقع الوظيفي.

كما يُعد ملف شراء السيارات الحكومية مثالًا آخر على مظاهر الهدر. فمن الأجدى استمرار وقف شراء المركبات الجديدة للوزارات والدوائر والمؤسسات المرتبطة والاكتفاء بعلاوة بدل تنقلات مجزية وفق نظام الخدمة المدنية، خاصة أن غالبية الموظفين يمتلكون سياراتهم الخاصة. أما من تقتضي مهامهم الرسمية توفير مركبة، فيمكن اعتماد سيارات اقتصادية لا يزيد سعرها عن 20 ألف دينار، دون الحاجة إلى المركبات الفاخرة أو ذات الدفع الرباعي، التي أصبحت رمزًا للترف الإداري أكثر من كونها وسيلة للعمل.

إن تحقيق التوازن المالي لا يقتصر على خفض النفقات، بل يتطلب تعظيم الإيرادات من خلال دعم القطاعات الإنتاجية. ويمكن للأردن، بما يمتلكه من خبرات وموارد، أن يعزز صناعاته القائمة في مجالات الصناعات الخفيفة والمتوسطة، والصناعات التعدينية والصناعات الغذائية والادوية واستغلال التميز في الانتاج الزراعي ، إضافة إلى القطاع التعليمي الذي يمكن تحويله إلى مصدر دخل وطني من خلال تحسين نوعية التعليم الجامعي وتوجيه التخصصات نحو احتياجات السوق المحلية والعالمية.

ولعل من أبرز المشاريع التي يجب التفكير فيها بجدية هو مشروع السكك الحديدية، الذي يربط محافظات المملكة ببعضها. فبعد النجاح النسبي لمشروع الباص السريع، فإن إنشاء شبكة سكك حديدية وطنية سيسهم في تقليل كلف النقل واستهلاك الوقود، وسيحدث نقلة ثقافية واقتصادية في مفهوم التنقل والعمل، فضلاً عن أثره في جذب الاستثمارات وتنشيط السياحة الداخلية.

تشكل خدمة الدين العام نسبة كبيرة من النفقات التشغيلية، وهو ما يضغط على الموازنة ويقلل من قدرة الدولة على الاستثمار. والحل لا يكمن فقط في تقليص الاقتراض، بل في تعظيم الإيرادات الذاتية عبر تحسين إدارة المال العام، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وضمان تحصيل الضرائب بعدالة دون المساس بذوي الدخل المحدود. إن التخلص التدريجي من عبء الدين هو طريق طويل، لكنه يبدأ بخطوات مدروسة نحو الاعتماد على الذات.

إن موازنة الدولة للعام 2026 تعكس واقعًا اقتصاديًا دقيقًا يتطلب إدارة مالية رشيدة ورؤية استراتيجية تجمع بين ضبط النفقات وتعظيم الإيرادات وتوجيه الموارد نحو التنمية المستدامة. وما طرحه الدكتور رعد التل من ملاحظات وتحليلات هو دعوة للتفكير الجاد في كيفية تحويل الموازنة من أداةٍ للإنفاق إلى وسيلةٍ لبناء اقتصادٍ منتجٍ ومزدهر. فكما يُقال، مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وربما تكون هذه الخطوة في موازنة 2026 بداية حقيقية لطريقٍ أطول نحو الإصلاح الاقتصادي الشامل.والله من وراء القصد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :