اللا مساواة بما هي مفتاح الغضب وعدم الثقة
إبراهيم غرايبة
10-11-2025 09:57 AM
يمكن التأكيد أو التخمين على اقل تقدير ان كثيرا من إظهار التأييد للتعصب والكراهية هو في واقع الحال تعبير عن الشعور بالظلم وعدم المساواة، وسواء كان شعورا مصيبا أم مخطئا فإنه من المؤكد أن عدم المساواة يشكل كارثة على التنمية ومكتسباتها والأداء الاقتصادي والسياسي، وأسوأ من ذلك؛ يصيب التماسك الاجتماعي بخلل كبير وقاصم. ليس بعيدا عن الصواب القول إن الفوضى الصراع القائم اليوم ليس سوى ضياع التماسك الاجتماعي الكافي للحفاظ على العقد الاجتماعي للدول والمجتمعات.
لو كانت دولة تقدر على الحفاظ على سيادتها وسلطتها معتمدة على قوتها العسكرية والأمنية لكانت هي الاتحاد السوفيتي أو إيران في عهد الشاه، أو سوريا أو ليبيا أو العراق، فلا يحمي الدول سوى التماسك الاجتماعي المنظم لحياة الناس وعلاقاتهم، ولا ينشئ هذا التماسك الا العدل! وبالطبع فإن العدل لن يلقى قبولا إلا اذا رآه الناس عدلا، وهنا تقع الكارثة الثانية؛ الاعتقاد بأن الإعلام والبروباغندا تشكل لدى الناس شعورا بالعدل.
الواقع أن الحملات الإعلامية والمؤتمرات والندوات التي تعقد لأجل حشد التأييد لسياسات ومواقف في حالتها القائمة في بلادنا تكرس الفشل والتطرف والظلم، ولا تفيد سوى نصابين ومتطفلين على الفكر والإعلام يحسبون الأفكار والاتجاهات والمواقف تبنى على طريقة تسويق العطور والشامبو!
وهكذا فإن عدم المساواة يتحول إلى حلقة أو متوالية من الشرور المتسعة والمتنامية لتحل كوارث وراء بعضها؛ كل واحدة أكبر من سابقتها، ففي عدم المساواة يأخذ كثير من الضعفاء ومن لا يستحقون فرصا ويحرم المستحقون، فيتقدم الى المواقع والأعمال ضعفاء وفاشلون وتغيب الكفاءات أو تهاجر الى الخارج او تدفن بلا فائدة لنفسها او مجتمعها وبلدها، فيتراجع الاداء الاقتصادي والعام ويضعف الابداع والانتماء والدافع الى العمل، وتسود قيم الكراهية.
وتنشأ حركة ثقافية وفنية وابداعية تمجد الفشل والخواء وتدلس على الناس القبيح والحسن فتتدهور الذائقة الفنية والثقافية ويتبعها الذوق العام في الحياة والعمل والسلوك والانتاج والتجارة والسلع والأفكار...
هؤلاء أبناء الوطن الواحد الذين يقتلون أنفسهم بلا تردد يحملون بالتأكيد قدرا من الكراهية لا يضعف المجتمعات والدول وفقط ولكن يذيب الصخر، وهؤلاء الذين يديرون عدم المساواة يدمرون البلاد ويصنعون الكوارث.
قد لا يكون عدم المساواة سياسة واضحة محددة يمكن التصدي لها بقرار أو توجيه، ولكنها شبكة عميقة ومعقدة من القرارات والاتجاهات والأفكار في العمل والحياة والانفاق والقرارات والسياسات،. كل قبول غير عادل في الجامعات أو ابتعاث غير مستمد من تنافس عادل أو تعيين شخص في موقع صغير او كبير او الحصول على عقد او عطاء في القطاع العام أو الخاص أو تحيز صغير او كبير لقريب او راشي ينشئ شبكة من الكوارث قد لا تكون واضحة أو مرئية ولكنها تظهر فجأة مثل بركان لا يمكن رده.