في صباحٍ صافٍ من أيام دبي، وبينما كانت الشمس ترسم خيوطها الذهبية على صفحة الماء الهادئة، تلقّينا دعوة مختلفة… دعوة إلى بيتٍ لا يشبه البيوت، إلى عزومة في مكان ينساب بين الماء والهواء، كأنه جزء من مشهدٍ سينمائي أو حلمٍ تتداخل فيه التفاصيل بين الواقع والخيال.

كنا على موعد اليوم مع صديقٍ اختار أن يكون منزله على الماء، في البيت المائي العائم في خور دبي. ذلك الخور الذي عاش دهوراً من التاريخ البحري، من سفن الدهو ورائحة الخشب والأمواج، إلى أحدث الابتكارات المعمارية التي تعيد تعريف السكن بأسلوبٍ يجمع الفخامة والهدوء والانتماء للمكان.

حين اقتربنا من الخور، بدا البيت العائم كجزيرة صغيرة، ثابتة لكنها نابضة بالحياة. نوافذ واسعة تعانق الأفق، وممرات خشبية تضيف لمسة دفء على حداثة التصميم. وما إن وطئت أقدامنا سطح المنزل حتى شعرنا أننا دخلنا عالماً آخر؛ عالمًا يلتقي فيه السكن مع البحر، وتنساب فيه موسيقى خفيفة مصدرها حركة الأمواج.

في الداخل، كان كل شيء مصمماً بعناية ليُبرز جمال المكان. الأثاث بسيط لكنه راقٍ، والجدران الزجاجية تسمح للنور بأن يملأ كل زاوية. في هذا البيت، لا تحتاج إلى لوحات معلّقة… فالمشهد نفسه لوحة تتغير كل لحظة مع حركة الماء وتبدّل الضوء.

لفتت انتباهنا لوحة فنية غريبة ومعبّرة: رائد فضاء يسبح في السماء بحثاً عن اللؤلؤ. لوحة تلخّص رحلة دبي نفسها؛ من عصر الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في البحر، إلى عصر جديد تبحث فيه عن لؤلؤها في الفضاء، في امتداد طبيعي لطموحٍ لا يعرف حدوداً....دبي لا تعرف المستحيل.

والجلوس عند الشرفة كان تجربة لا تُنسى. مياه الخور تعكس أبراج المدينة البعيدة، والهواء يحمل رائحة البحر ممزوجة برائحة الخشب الجديد. هنا، يتباطأ الزمن، ويبتعد الضجيج، وتقترب دبي إليك بثوبٍ جديد… مدينةٌ تستطيع دائماً أن تفاجئك بما لم تتوقعه.

جلسنا مع اصدقائنا حول طاولة تطل مباشرة على الماء. أحاديث ممتعة، ضحكات خفيفة، وضيافة بحرية جعلت اللحظة أكثر دفئاً. كانت العزومة مختلفة، ليس فقط لأن المكان غير مألوف، بل لأن الروح التي يمنحها البيت العائم تجعل كل شيء يبدو أكثر قرباً وإنسانية.

في الحقيقة، البيت العائم في خور دبي ليس مجرد مسكن، بل تجربة. تجربة تجمع بين أناقة دبي الحديثة وروحها البحرية العريقة. اليوم لم نزُر صديقاً فحسب… بل اكتشفنا طريقة جديدة لرؤية المدينة، من على متن بيتٍ يعوم فوق ذراعٍ من البحر، وكأنه يحتضن الحياة من زاوية أخرى.