facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




آسيا في ضوء رؤية جلالة الملك: جولة استراتيجية لتعزيز الأردن كمحور نمو


صالح الشرّاب العبادي
15-11-2025 11:20 PM

في لحظة حاسمة يعيد فيها جلالة الملك عبدالله الثاني قراءة خريطة الأردن الاستراتيجية عبر أبعاده الإقليمي والدولي، ترنو الأنظار إلى جولة آسيوية بارزة بدأها جلالته من طوكيو، تليها فيتنام وسنغافورة وإندونيسيا، وصولاً إلى باكستان. هذه الجولة ليست زيارة تقليدية، بل «جولة عمل» تحمل في طياتها رؤية سياسية تنموية، وطموحاً اقتصادياً عميقاً، ورسالة دبلوماسية قوية إلى العالم: الأردن ينظر إلى آسيا كشريك محوري للنمو المستقبلي.

أولوية التوجه نحو آسيا: قراءة استراتيجية جلالة الملك

إن اختيار هذه الدول تحديدًا — اليابان، فيتنام، سنغافورة، إندونيسيا، وباكستان — يعكس فهمًا دقيقًا من القيادة الأردنية لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. آسيا اليوم ليست منظومة اقتصادية ثانوية، بل هي محرك عالمي للنمو، وهي فضاء مفتوح للاستثمارات النوعية والتكنولوجيا وسلاسل الإنتاج الإقليمية. جلالته لم يأتِ إلى هذه الدول لمجرد التوقيع على مذكرات تفاهم، بل ليذرع أرضًا تُزرَع فيها شراكات مستقبلية مستدامة.

في اليابان، تجري اللقاءات مع إمبراطور ناروهيتو ورئيسة الوزراء تكايتشي، ومع جهات تقنية وتنموية مهمة مثل وكالة التعاون اليابانية (JICA) وهيئة التجارة الخارجية (JETRO)، الأمر الذي يشي بتركيز على قطاعات متقدمة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

أما في فيتنام، فمنتدى الأعمال الأردني – الفيتنامي يعد منصة مهمة لتأسيس شراكة في قطاع المنسوجات، ما يفتح الأبواب أمام دخول نحو سلاسل إنتاج صاعدة.

وفي سنغافورة، يلتقي الملك برئيسها ورئيس وزرائها في بلد يُعد مركزًا ماليًا وتقنيًا إقليميًا؛ بينما في إندونيسيا، الحديث يدور مع صندوق الثروة السيادي (Danatara) لتعميق الاستثمار طويل الأجل.

وأخيرًا في باكستان، يقف الأردن عند نقطة استراتيجية تجمع الاستثمار والدور الإقليمي والدبلوماسي.

الأبعاد الاقتصادية: نحو تنويع النمو وجذب الاستثمارات النوعية

من الناحية الاقتصادية، تعتبر هذه الجولة هي «فرصة استراتيجية» لتعزيز وجود الأردن في سلاسل التوريد العالمية، وجذب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية.

ان التوجه نحو هذه الدول الآسيوية يهدف إلى توسيع قاعدة التصدير الأردنية وإنشاء شراكات وتشاركية صناعية وتجارية ، خصوصًا في القطاعات التي يمكن أن تستفيد من الخبرة الآسيوية: التكنولوجيا، التصنيع، الطاقة المتجددة، والنسيج.

إن فتح أسواق جديدة في هذه الدول سيمكن الأردن من تنويع اقتصاده بعيدًا عن الاعتماد الروتيني التقليدي على بعض الشركاء، ويخلق فرصًا وظيفية متنوعة مستقبلاً .
وفي بعض الأرقام المهمة، تبيّن أن التبادل التجاري الحالي مع بعض هذه الدول أقل من الإمكانات: وفق تقرير اقتصادي، واردات الأردن من اليابان وصلت إلى حوالي 180 مليون دينار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، بينما الصادرات أقل بكثير — ما يوضح الفجوة وفرصة التوسع.

علاوة على ذلك، يراهن الأردن من خلال هذه الجولة على إقامة مناطق صناعية أو منصات إنتاج خاصة بالمستثمرين الآسيويين، مع توفير حوافز لجذب استثمارات متقدمة ترفع من القدرات التصديرية الأردنية وتوطّد مكانته كمركز صناعي إقليمي.

البعد الدبلوماسي والسياسي: تعزيز الدور الأردني وقوة الصوت

هذه الجولة ليست اقتصادية فحسب؛ فهي رسالة دبلوماسية ولدت من رؤية سياسية ملكية تنظر إلى الأردن ليس فقط كمستقبل اقتصادي بل كفاعل محوري في السلام، الحوار، والاستقرار الإقليمي.

عند لقاء القادة الآسيويين، يحمل الملك معه هموم الأردن الكبرى: اللاجئون، الاستقرار، والأمن الإقليمي. اللقاءات مع كبار المسؤولين في هذه الدول تُعد فرصة لإعادة تأكيد رغبة الأردن في المساهمة البناءة في التحديات الإقليمية، بما في ذلك قضايا فلسطين وقطاع غزة.

وفي سياق إندونيسيا — أكبر دولة إسلامية من حيث السكان —، تأتي المباحثات الاقتصادية بالتوازي مع التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية، ما يعكس الثقة المتبادلة والعلاقات الشخصية التي تجمع الملك بجمهورية إندونيسيا.

كما أن توقيت الجولة يعكس حرصًا على نقل الأردن من موقع “المستقبِل” فقط إلى موقع “الشريك الجاد” الذي يمكنه لعب دور أكثر فاعلية في بنية التحالفات الدولية الحديثة.

الملكية الحكيمة: شخصية جلالة الملك في هذه المهمة

إن شخصية جلالة الملك عبدالله الثاني تُعد من الركائز التي تمنح هذه الجولة عمقها. جلالته معروف بقيادته الحكيمة التي تجمع بين البعد الاستراتيجي والتطلّع التنموي. في كل زيارة رسمية، لا يكتفي بلقاء الزعماء فقط، بل يفتح الباب أمام القطاع الخاص والجهات التنموية، لتكون الزيارات “جولة عمل” حقيقية وليس مجرد جول سياحي أو احتفالي.
كما أن الوعي الوطني الذي يحمله جلالته يدعو إلى ترجمة هذه التحركات إلى أرض الواقع من خلال تشجيع القطاع الخاص الأردني على اقتناص الفرص الآسيوية. وهذا يتطلب رؤية واضحة، تخطيطًا دقيقًا، واستمرارية في المتابعة بعد العودة من الزيارات.

المخاطر والتحديات: الطريق أمام الترجمة ليس سهلاً

رغم الفرص الكبيرة، فإن الطريق أمام ترجمة هذه الجولة إلى نتائج ملموسة ليست خالية من المخاطر. أولًا، النجاح يعتمد على قدرة الأردن على تقديم بيئة استثمارية مجذّبة: تسهيلات، حوافز، وضمانات للاستثمارات طويلة الأجل.

ثانيًا، تنفيذ المشاريع الذي يتم التوافق عليه يجب أن يُترجَم إلى واقع بسرعة، بحيث لا تبقى مذكرات التفاهم حبرًا على ورق. هذا يستدعي تضافر الجهود بين القطاع العام والخاص، وإشراف ملكي مؤسسي يضمن استدامة التزامات الشركاء.

ثالثًا، التنافس مع دول إقليمية أخرى لجذب الاستثمارات الآسيوية قد يكون شريكًا أو خصمًا: فدول مثل الإمارات أو السعودية أو تركيا تنافس على نفس النوع من الشراكات، لذا يجب أن يكون لدى الأردن مزايا تنافسية حقيقية (كالتخصيص الصناعي، الملاعب الاستثمارية الموجهة، الحوافز الضريبية، التسهيلات اللوجستية).

رابعًا، هناك المخاطر الجيوسياسية: استقرار بعض الدول الآسيوية ليس مضمونًا دائمًا، والسياسات الاقتصادية قد تتغير، وهذا يتطلب مرونة في استراتيجيات الشراكة والالتزام بالمصداقية من الطرف الأردني والحرص على عدم او تاخير الاتفاقيات لتشكل خسارات تاخير او عدم التزام .

توصيات استراتيجية لتعظيم المكاسب

من أجل ضمان أن تكون هذه الجولة أكثر من “زيارة رمزية”، أقترح النقاط التالية التي يجب أن تكون في صلب المتابعة الملكية والجهود الحكومية:

1.إنشاء منصة رسمية “استثمر في الأردن – آسيا”: بوابة خاصة تروّج للمستثمرين الآسيويين، تُسهل التواصل مع الوزارات المعنية، وتعرض المشاريع القابلة للتنفيذ، وتقدّم حوافز منتقاة للصناعات ذات القيمة المضافة العالية.

2.إطلاق صناديق شراكة مشتركة: مع صناديق الثروة السيادية الآسيوية (مثل صندوق إندونيسي) لتأسيس استثمارات صناعية، تقنية، أو زراعية في الأردن، تتيح شراكة طويلة الأمد وليس تعاونًا قصير الأجل.

3.تحديد “مناطق صناعية آسيوية” خاصة: تخصيص مناطق صناعية في الأردن مصمّمة لاستقبال الاستثمارات الآسيوية (كالمجمعات الصناعية للملابس، التكنولوجيا، الطاقة الخضراء) مع بنية تحتية متقدمة، وامتيازات ضريبية، وتسهيلات في التصاريح.


4.برنامج تبادل تقني وتعليمي: عقد شراكات مع جامعات ومراكز بحث آسيوية لنقل التكنولوجيا والتدريب، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، لتأهيل كوادر أردنية قادرة على إدارة المشاريع المبتكرة.

5.آلية متابعة ملكية: تشكيل لجنة ملكية تضم ممثلين من القطاع الخاص والوزارات المعنية لرصد تنفيذ مذكرات التفاهم، وتقييم الأداء، وضمان الالتزام بالجدول الزمني وتحويل الالتزامات إلى مشاريع واقعية.

قراءة وطنية مستقبلية

جولة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى آسيا هي درس استراتيجي في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، وفي كيفية تمرير رسالة: أن الأردن ليس دولة بلا موارد استراتيجية أو موقع محايد فحسب، بل هو شريك تنموي جاد، منصة للجسر بين الشرق والغرب، والعنوان للدبلوماسية الاقتصادية الذكية.

إذا ما تمكنت القيادة الأردنية من تحويل هذه الزيارات إلى مشاريع حقيقية — وليس مجرد شعارات أو صور بروتوكولية — فإن ما سيُبنى هو “أفق أردني آسيوي” جديد، عنوانه التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة، والجذور العميقة في شبكة شراكات عالمية متجددة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :