في الأصل هما كلمتان خفيفتان على اللسان، تطلقان في معرض المدح على بعض الناس تقديرا لهم واحتراما لمنجزاتهم وعرفانا بفضلهم، ومن الملفت للانتباه أن الناس قد باتوا كرماء في إغداق هذين الوصفين على من يستحق ومن لا يستحق، ...إلى الحد الذي لم يعد معه أحد يحفل بمدلول هاتين الكلمتين باعتبارهما من لوازم المجاملات الاجتماعية و (الكلاشيهات ) الجاهزة لافتتاح جاهات الخطبة والزواج والصلح بين الناس، وتلطيف الأجواء ، وأحيانا أخرى في طلب الحاجات بين يدي هذا أو ذاك، وقد يتواطأ من يخلعون هاتين الصفتين مع من لا يستحقونهما على غض الطرف عن المعنى الأصيل لكلا المفردتين واعتباره مسألة لا تستحق الوقوف عندها، ويمكن تجاوزها كما تُتَجاوز كثير من الأصول، في زمن بات الاحتفاء بالسخف والتفاهة من أبرز سماته، وصارت هاتان الكلمتان ثقيلتين على الجنان، بغيضتين إلى الرحمن وعباده الذين يمشون على الأرض الهون، فيعدهم الجاهلون من الدون.
وانسيابا مع السياق الاجتماعي الذي أشرت إليه آنفا فإنني سأتجاوز المعنى الأشهر ل"القامات والهامات "وهو معنى معروف ولا يخفى على الجميع- إلى معاني أخرى ذكرتها المعاجم اللغوية، ومن بين تلك المعاني أن الهامة تعني طيرا صغيرا من طيور الليل يأْلف المقابرويشبه البوم، والهامة هي الجثة، أما الهامّة بتشديد الميم فتعني كل ذي سم قاتل. أما القامة فوحدة لقياس أعماق البحار المظلمة... ولعل الجامع بين كثير من قامات وهامات زمن البؤس ظلمات الليل وعتمات المقابر ولجج البحار حيث لا متسع لاستطالة القامات القصيرة في المساحات المعتمة، أو ارتفاع الهامات (المهلوسة ) فوق الرقاب المربوقة.
كثير من القامات والهامات التالدين والأغرار الذين لم نسعد يوما بوجودهم بيننا لفرط جوعهم للانقضاض على ما لم يتيسر بعد من أرزاق الناس، فيبيعون اللبن في الضروع، والماء في أعالي الفروع، وأوبار إبلنا وأصواف أغنامنا فوق ظهورها قبل أن يهلسها الهزال ويفتك فيها وفينا السَّلَّال... بئس القامة والهامة من كان همه قصعة من ثريد الفقراء، وظل خيمة بات أهلها في العراء، بسيف سله من جفير الدهماء ، حين طوقت بقوس الأمانة عنقه الأثيم، فاستل من كنانتها سهما ثم رماها بالوتين... فيا كبار البلد ويا كراسيها، كم جلست على هذه الكراسي خيبات كثيرة؟! والقادم أكثر، أما الأيام الأجمل فكذبة كبيرة لن تأتي أبداً، وما زلنا في عنق الزجاجة، وأنتم تفرغون على صبرنا قطرا... وليس لنا بعد الله إلا عبد الله ليقود الأردنيين جميعا خلفه إلى ثورة بيضاء تعيد الدولة الأردنية إلى جميع أبنائها بعد أن اختطفتها الهامات والقامات من أصحاب المقامات.