اللجان النيابية .. مسؤولية أم صراع على المناصب؟
فيصل تايه
16-11-2025 10:54 AM
يشهد مجلس النواب الأردني هذه الأيام مرحلة دقيقة وحاسمة، تتمثل في تشكيل اللجان الدائمة، والتي تشكل الركيزة الأساسية للعمل البرلماني المؤثر ، فاللجان ليست مجرد مقاعد أو أسماء ، بل هي المطبخ السياسي لكل القوانين، حيث تصاغ مشاريع التشريعات وتبنى التوصيات التي ستعرض على المجلس العام للتصويت، وهناك يختبر البرلمان قدرته على تحويل التوافق والخلافات إلى مخرجات عملية ملموسة تخدم الوطن والمواطنين وتعكس مستوى النضج المؤسسي للنواب.
المؤمل تمكن المجلس من التوصل إلى توافق على توزيع النواب في اللجان العشرين بطريقة تراعي حجم كل كتلة وتضمن تمثيل جميع الكتل دون استثناء ، في توافق تاريخي، يوصف بالخطوة المهمة نحو بناء برلمان أكثر استقراراً ، يعكس رغبة حقيقية في العمل الجماعي وتجاوز الانقسامات التقليدية، ويتيح الانطلاق نحو معالجة الملفات الوطنية الكبرى بروح من التعاون والمسؤولية المشتركة ، ما يؤكد أن البرلمان قادر على وضع المصلحة العامة فوق أي حسابات ضيقة أو انطباعات شعبوية مؤقتة.
ومع ذلك، لا تزال مرحلة انتخاب رؤساء ومقرري اللجان تمثل اختباراً أصعب وأعمق ، فبينما بعض اللجان كانت رئاستها واضحة وخالية من الخلاف، ظهرت بعض الخلافات في اللجان السيادية والاستراتيجية، خصوصاً حول القيادة والمناصب، وهي صراعات طبيعية في أي بيئة برلمانية تنافسية، لكنها تحمل رسالة واضحة وهي ان الا يتحول السعي وراء المنصب إلى هدف بحد ذاته، بل إلى أداة لتعزيز العمل المؤسسي وتحقيق الهدف الأسمى للجان ، وهو التشريع والرقابة الفعالة.
في هذا السياق، تبرز التخصصية والكفاءة كمعيار حاسم في اختيار أعضاء اللجان، خصوصاً في اللجان الحساسة مثل الصحة، التربية، والمالية ، فوجود نواب ذوي خبرة ومعرفة حقيقية يضمن أن تكون القرارات متوازنة ومدروسة، وأن تتحقق الرقابة الفعلية على الحكومة، مع الجمع بين التخصص والتمثيل النسبي للكتل بما يضمن أن تتحول اللجان إلى أدوات إنتاجية حقيقية، لا مجرد منصات لتوزيع المناصب أو استعراض النفوذ.
ولا يمكن إغفال البعد المؤسسي للعدالة والشمولية، فنجاح البرلمان مرتبط بعدم إقصاء أي كتلة أو أي نائب من المشاركة الفاعلة في اللجان ، اذ ان هذا الالتزام يعزز مصداقية المجلس أمام الرأي العام ويؤكد أن كل قرار أو تشريع ينبع من حوار متوازن بين مختلف القوى، بعيداً عن أي مزايدات شعبوية أو شعارات سطحية لا تخدم المصلحة العامة.
ومن أبرز المواضيع التي واجهت البرلمان خلال تشكيل اللجان، الخلاف حول بعض المناصب بين الكتل وكتلة جبهة العمل الإسلامي ، اذ ان هذا الاختلاف طبيعي في أي برلمان متعدد الكتل، ويعكس حرص كل طرف على ضمان تمثيل مناسب لأعضائه ومواقفه داخل اللجان الحساسة ، فالجبهة، مثل باقي الكتل، تسعى إلى حماية مصالح نوابها، في حين تعمل الكتل الأخرى على تحقيق توازن يضمن مشاركة جميع الأطراف بشكل عادل ومتوازن ، ولتجاوز أي توتر محتمل، فمن المهم الالتزام بـ معايير واضحة وشفافة في اختيار رؤساء ومقرّري اللجان، مع التركيز على الكفاءة والتخصصية ، كما أن روح التعاون والحوار البناء بين الكتل تساعد على تحويل اللجان من مجرد منصة لتوزيع المناصب إلى أدوات إنتاج تشريعي فعالة تحقق التوازن بين الطموحات الفردية والمسؤولية الوطنية، وتخدم مصالح الدولة والمواطنين بشكل أفضل.
وتظهر المعطيات أيضاً أهمية توجيه النواب نحو خدمة المواطنين والدولة، والابتعاد عن الانجرار وراء الخطابات الشعبوية أو المناصب كغاية في ذاتها ، فالعمل الجاد في اللجان، والالتزام بمعايير الكفاءة والتخصصية، هو ما يحقق نتائج ملموسة، ويكسب البرلمان مصداقية قوية على الصعيد الوطني.
إن هذه المرحلة البرلمانية تمثل فرصة لبناء برلمان قادر على الموازنة بين التنافس المشروع والطموحات الفردية من جهة، وبين المصلحة الوطنية والعمل المؤسسي من جهة أخرى ، فالنجاح الحقيقي لا يقاس بعدد المقاعد أو المناصب، بل بمدى قدرة المجلس على إنتاج تشريع متوازن، ممارسة رقابة فعالة، وتحويل التوافق والخلافات إلى مخرجات تخدم المواطنين والدولة معاً .
وفي الختام، فإن اللجان الدائمة ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي المكان الذي يختبر فيه البرلمان مدى نضجه وقدرته على العمل بروح مؤسسية، محافظة على التخصص والعدالة والشمولية، ومتوازنة بين القوى المختلفة ، اذ ان إدارة هذا المطبخ السياسي بحكمة ووعي، مع التركيز على العمل وليس المناصب، هو ما سيحدد مستوى فاعلية البرلمان الأردني وقدرته على الوفاء بتطلعات المواطنين اليوم وغداً ، بعيداً عن أي شعارات شعبوية أو استعراضات سطحية، وبطريقة تعكس الالتزام الحقيقي بالواجب الوطني والمسؤولية البرلمانية.
والله والي التوفيق