الملوخية بالدجاج .. مذاق يروي الحكاية
د. صالح سليم الحموري
18-11-2025 09:25 AM
كان هذا اليوم مختلفًا على غير العادة. رنّ هاتفي في الصباح، وكان صديقي على الطرف الآخر يدعوني إلى غداءٍ يعدّه بحب: " ملوخية بالدجاج". ففي دبي اعتدنا أن نتبادل الدعوات كلما حضّر أحدنا وليمة مميزة، ولذلك لم أتردّد لحظة؛ فهذه الدعوة تحمل رائحة حنين قديم، ودفئًا يتجاوز مجرد وجبة طعام.
ما إن دخلت البيت حتى استقبلتني تلك الرائحة العابقة التي لا تخطئها الذاكرة؛ رائحة الملوخية الطازجة وهي تتمازج مع الثوم المقلي ببطء "التقلاية" حتى يكتسب ذلك اللون الذهبي الذي يفتح الشهية قبل العين. في القدر، كان الدجاج يطفو في المرق الغني؛ مرقٌ ليس مجرد سائل، بل خلاصة ذكريات… طفل يركض حول أمه، وجدّة تقلب القدر بيدين تجرّب الزمن ولا يجرّبها.
جلسنا حول الطاولة، وكأن الزمن أخذ استراحة قصيرة احترامًا لهذه اللحظة. كان الطعم استثنائيًا؛ نعومة الملوخية، ورقّة الدجاج، وتلك اللمسة الحمضية من الليمون، والمخلّل الذي يضيف للمشهد نكهة من الماضي. كل لقمة كانت حكاية صغيرة تُروى عن أمهاتٍ وجدّاتٍ كنّ يضعن الحب قبل الملح، ويعلّمننا أن الطعام ذاكرة تُؤكل، وروح تُقدَّم على طبق.
ولمّا تذوقت الملوخية اليوم، امتدت بي الذكريات إلى بيتنا؛ إلى زوجتي التي تُعدّ هذا الطبق بحبٍّ لا يُشبهه شيء. فهي تعشق الملوخية وتطهوها بروحٍ تجعل للنكهة معنى آخر، ولذلك كان هذا اللقاء يحرّك في داخلي شوقًا مضاعفًا لهذا الطبق ولذكرياته.
الجلسة نفسها كانت وليمة من المودّة… ضحكات تتناثر حول الطاولة، ذكريات تُستعاد، وأحاديث عن الأيام القادمة. في لحظات كهذه تدرك أن السعادة لا تأتي من الأشياء الكبيرة، بل من بساطة مائدة تجمعك بمن تحب.
وأدركتُ اليوم أن الملوخية بالدجاج ليست مجرد طبق؛ بل هي بابٌ صغير يعيدك إلى الجذور… إلى بيوتنا البسيطة وشجرة الليمون في الحوش، إلى زمنٍ كان الطعام فيه لغة حبّ صافية، وكان اللقاء قيمة لا تُقدّر بثمن.