الدولة بين مسؤولية الإصلاح وخطر تدوير الفشل
فيصل تايه
20-11-2025 08:48 AM
الأوطان لا تنهض بالنيات الحسنة وحدها، ولا ترتقي بمسكنات الخطاب، بل تبنى بإرادة سياسية واضحة، ونظم إدارية راسخة، ومقدرات بشرية مؤهلة تدرك معنى المسؤولية ووزن الأمانة ، ولعل ما شهدته بعض مؤسساتنا من ترهل وتكرار للفشل عبر سنوات مضت لا يخفى على أحد، فقد أصبح عائقاً حقيقياً أمام طموحات الدولة، ومصدر قلق مشروع لدى المواطن، ومؤشراً يتطلب معالجة جذرية لا تقبل التأجيل.
كم عانينا من استمرار مظاهر المحسوبية والواسطة والمناطقية "بوعي أو بغير وعي" ما اسهم في تكريس بيئة اعادت إنتاج الفشل ذاته بوجوه جديدة وقديمة، ما أتاح منح غير الأكفاء مساحات للتأثير، بينما أقصي أصحاب الجدارة أو همش دورهم ، وهذا المسار ، إن ترك دون تصحيح، يفتح الباب أمام ضعف الأداء العام، ويهدد توازن المؤسسة، وينذر بنتائج لا يليق أن يتحملها وطن يتطلع إلى الريادة.
الدور المحوري للحكومة الحالية برئاسة دولة الدكتور جعفر حسان، يبرز بوضوح ، إذ وضعت على عاتقها مهمة صعبة تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والمسؤولية ، من محاولات إصلاح الخلل المتراكم، وتصويب ما اعوج، وإعادة بناء الثقة بين الدولة ومؤسساتها وبين المواطن ، فما تسعى إليه هذه الحكومة من مراجعة دقيقة للمنظومات الإدارية، وتشديد معايير اختيار القيادات، وتعزيز مبدأ المساءلة، هو انعكاس لما يدور في عقل المسؤول وفي فكر دولة الرئيس، الذي يدرك أن الإصلاح ليس خياراً تجميلياً ، بل ضرورة وطنية ، فالمسؤول الذي يخاف الله في عمله ويخلص فيه إنما يتكئ على سند إلهي قبل أن يتكئ على أدوات السلطة.
إن مسؤولية الدولة اليوم أكبر من ترميم ما تصدع ، إنها مسؤولية إعادة تأسيس منظومة العمل العام وفق معايير صارمة، تغلق منافذ العبث الإداري، وتلزم الجميع بمبدأ الجدارة، وتحمي المؤسسة العامة من أي نفوذ غير مشروع ، فالمنصب العام ليس امتيازاً شخصياً ، ولا مكافأة تمنح بدافع قربى أو محاباة، بل هو مقام وطني توزن فيه القرارات بميزان العدالة، وتقاس فيه الكفاءة لا الانتماءات الضيقة.
وحين نقول "لا للفشل" فليست تلك عبارة إنشائية، بل موقف دولة ترفض تدوير العاجزين، وترفض استمرار من تسببوا في القصور، مهما كانت مقاماتهم أو أسماؤهم ، فالدول القوية لا تتسامح مع الفاشلين، ولا تشرعن بقاءهم في مواقع التأثير، لأنها تدرك أن الخطأ في الإدارة قد يتحول إلى كلفة وطنية فادحة.
لقد آن الأوان لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً تعيد الاعتبار للرقابة الفاعلة، وتضمن شفافية التعيين، وتربط الصلاحيات بالمساءلة، وتصون هيبة القرار العام ، فإما إصلاح يعيد الانضباط للمؤسسات، وإما دائرة فشل تتسع حتى تصبح عبئاً على الدولة والمجتمع معاً .
بقي ان اقول ، إن المستقبل الذي ننشده لا ينتظر المترددين ، إنه يحتاج إلى رجال دولة صادقين، يعرفون أن خدمة الوطن مقدمة على كل انتماء، وأن حماية المؤسسات مقدمة على كل مصلحة ، فما نأمله اليوم هو أن تتوحد الجهود تحت مظلة واحدة ، اهمها حماية الوطن من الفشل، وصيانة الدولة من العبث، وتعزيز خطوات الإصلاح التي تمضي بها الحكومة الحالية بثقة ومسؤولية، ليبقى الوطن في المكان الذي يستحقه.
والله ولي التوفيق