facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أزمة الصحافة ومعضلة المرجعية المفقودة


قاسم الحروب
21-11-2025 01:10 PM

جعلت وسائل الاتصال الحديثة العالم مرتعاً لكل ذي رأي وسبق، فسبقت ألسنتهم عقولهم، وتهشمت صلابة مرجعياتهم، وانعدم زمن المراجعة لما بعد تمام الخطاب، والتفكير في مالاته وتوصياته، وانهارت القيمة التي تحمل المنشود والمحمود من وراء كل مطروح ومقروء، بتنا نرى القاصي والداني، الحميد والخبيث، سيداً في قوم كان أم وليد عهد بالعبارة، حائزاً لقب الصحافة دون سبق بها أو صواب بالحيازة، وتأثرت بذلك الصحافة مهنةً قوامها معروف ومحمود، فأعطيت لكل من يريد فرجة أو رفعة بائسة، فبعدما كنا نساير الصحافة لتحفظ الحالة العامة دون تفجيرها رأياً عاماً صارخاً بالحقوق، بتنا نرجوها اليوم لتستفيق من غفلة المقالات المعلبة، والعناوين الهزيلة المُتْعِبة، لا لصعوبتها، بل لتخييبها الأمل، وطرحها لكل ما لا يفيد الحقيقة والمشهد العام، وتغييبها لكل صاحب حق يرجو لنفسه لساناً ناطقاً عنه بالحال والمآل، فإلى ماذا ندعو؟، وما المرجو من الصحافة حاضراً؟، وكيف ندير المنهجية الصحفية الحديثة؟.

تخلخل حارس البوابة

ليُصَاغُ رأيٌ في الصحافة اليوم بأنه يمين أو يسار أو متوسط، نسبةً لما تحاكيه مع مهنيات العمل وضمناً لمرجعيةٍ وُضِعَتْ بعد سنين من دأب العمل الذي قام به أهل المهنة وخواصها علماً وعملاً وفكراً، وأي انزياح عن تلك المُثُل المسماه بأخلاقيات الإعلام، وفي بعض المراجع بأدبيات الإعلام أو (ديونتولوجيا الإعلام كما التسمية الأكاديمية للمصطلح من أصلها اليوناني)، ومن ضمن هذه الأخلاقيات ما تجب على الصحافة والصحفي بالضرورة، إن هذا التحكيم الممنهج، وهذا القياس الموزون والمضبوط، ليتغير سلباً وإيجاباً، تبعاً لعدة عوامل أهمها عملياً (حارس البوابة)، وقد تطرقت له بنيوياً ضمن قراءة لغائية سلطته في مقالتي السابقة الأحد الماضي "الإعلام بين أنسنةٍ وحياد"، لكن هذا التحكيم الممنهج انهار اليوم ليس بتغير المرجعيات بالضرورة فقط، بل وبالآلية التي كان يعمل بها حارس البوابة، فبعد أن كانت البوابة واحدة ومضبوطة ومحمية، باتت الأبواب بلا عدد، وكل باب مطَّرب، وخللت أعدادها القيمة والمرجعية التي كانت ترشد الحارس وتحكم البوابة الواحدة.

بين سَبْقٍ وعمق
نتيجة لاختلال الضوابط والقواعد التي كانت تحكم المهنية الصحفية ومقاصدها، سلكت الصحافة نهج الرأي المحكي الذي يراد به العام، عوضاً عن ما كان يطالب به الخاص، لا بتعميم الوسيلة بالضرورة، بل لما صارت إليه الصحافة من تحول في القيمة والمقدار، من مثال أخلاقي للحرية والرأي الصادق، إلى وسيلة لتحقيق أجندات والإتيان بالمنافع السياسية والاقتصادية ولو على حساب الحقيقة وصاحب الحق، فبعد أن كان ينظر للمحتوى الإعلامي على أنه أسمى صور الإنتاج والإخراج للمعلومات والأخبار، وأفضل صياغة وتحليل للمجريات، ومرجعاً ومنهجاً للتعامل مع الإشكاليات والمغالطات، سارعت الصحافة نحو الانكباب وراء كل عاجل ومثير للرأي العام بكل ما فيه من عواطف وانكسارات قيمية ومنهجية ومهنية حتى، ترجو بذلك الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية سبقاً صحفياً يميزها بين أقرانها ومنافسيها، ناشرة بذلك كل فضيحة وقضية وإشكال، مفيداً كان أم غير مفيد، نافع كان أم فاسقاً مفسداً حتى، كل ذلك في سبيل السبق والتصدر لا بالمهنية والاتزان والدقة (أهم أخلاقيات الصحافة)، بل بالتسرع والتحيز والتفتن بالماجريات (مصطلح يرمز للأحداث السياسية العاجلة المعلبة، ماجريات أي مما جرى)، وكله تحت وسم الصحافة والتمركز حول المعلومة والخبر، وهو في الحقيقة تمركز حول دوامة يُبْتَلَع فيها الخبر بين طيات الحواشي الفارغة الهشة سريعة الهضم.

"الما بعدية" حلاً لاستعادة المرجعية
إن ما سبق من تشخيص لحال المهنية الصحفية اليوم لا يخفى على أحد، ورغم وجود مؤسسات صحفية مرموقة ومنهجية تعمل ليل نهار للرفع من مستوى الأخبار والتحليلات والتقارير الصادرة عنها، إلا أنه ومع وسائل الاتصال الرقمية فإن الشارع العام لم يعد يدرك هشاشة الصحافة الرقمية (اللامنهجية منها) التي يسهل الوصول إليها مقارنة بأي وسيلة أخرى، ولذلك ومن هذا المنطلق والتقديم، نجد أن الحل يكمن في مسارين متكاملين لبعضهما، وجبت الإشارة إلى أن المساران محققان في عصرنا اليوم، ولكن تكثيفهما هو المطلب الأول، أولاً: بناء تكاملية بين الوسائل الاتصالية التقليدية، حيث المنهجية والمرجعية، وتلك الرقمية الشبكية سهلة الوصول للمستخدمين، فنجمع بين البناء الخطي للأخبار والإحكام على القواعد والمناهج المناسبة لكل حالة، والتشعب العلائقي في إيصال الرسالة واستقبال الآراء التحليلية المنهجية والا منهجية المتراكمة في رجع الصدى على كل بث أو رسالة أو معلومة مرسلة، هذا الدمج رغم وجوده، واتجاه العديد من القنوات والمؤسسات الكبيرة والمرموقة إلى التواجد على منصات التواصل الرقمي، إلا أن مرجعيات العمل والتحليل والتدقيق لا بد وأن تكون موحدة فترفع معها من جودة المحتوى الرقمي وتوجد بديلاً مهنياً للعشوائية المتوفرة، والتخبط اللامهني، ثانياً: التوجه لما يسمى (بالصحافة الما بعدية) توجهاً جديداً للحالة الاعتيادية المبنية داخل المؤسسات التقليدية في تصنيف وتحليل الأخبار، فلم تعد التصنيفات تقاس على مرسل الرسالة فقط، بل وتتميز بالمستقبل الذي يتلقى، فحينما نعرف الغايات التي تتبلور لدى الجمهور المستهدف ونحقق انجذابه للوسيلة والرسالة المقدمة له منا، نحقق غاياتنا الثانوية (إقتصادية سياسية إلخ..) ونفرض المنهجية والمرجعية المهنية في وسائل العرض والنقل والتحرير، فيتحقق التأثير تحت سقف البناء التكاملي المنهجي والمهني للخبر، الما بعدية هي ما يمكن تعريفه بصحافة "فوق الخبر" وتركز على ما سبق ذكره، فهي تركز على الشرح للجمهور: كيف وصل الخبر ولماذا تم اختياره، أكثر من تقديم موجز أو عواجل ولا تعتمد على التعرض السريع الآني كأساس، بل كوسيلة تسويق سريعة، لا عَرْضية، فهي إذن، أن تشرح للجمهور ليس "ماذا حدث؟" فحسب، بل: و(كيف وصلنا الخبر؟)، وذلك عبر توثيق المصادر والمنهجية المتبعة، والأهم (لماذا تم إبراز الخبر دون غيره؟)، عبر تفسير لعملية الاختيار والإطار الذي وُضِعَ فيه الخبر، الصحافة بهذا المنهج تستعيد مرجعيتها المفقودة، ليس بفرض المعلومة (كسلطة حارس البوابة القديمة)، بل بفرض الثقة في المنهجية المتبعة، وهذا أبرز تمثيل لأخلاقيات الصحافة ومُثُلها تطبيقياً.

"الما بعدية" كديمومة ضرورية
إن الصحافة الما بعدية بما فيها من تمركز حول القيمية الخبرية أكثر من وسيلة الطرح، يعيد البوصلة إلى اتجاهها المنشود الصحيح، ويعالج إشكالات التطور التقني وما فيه من تغييب للثوابت المهنية وصلابة المنهجيات العملية، واقع الصحافة اليوم يطلب هذه الدعوة من أهل الاختصاص، لإعادة التقييم لا للمهنيات الأخلاقية الثابتة بالضرورة، بل لآليات التقديم والطرح، والتمييز بشكل أكثر صرامة مما مضى بين الأهم والمهم والأقل أهمية كما في الهرم المقلوب، حاجة اليوم لا لتغيير الخطاب بل لتجديده، فاختلاف الوسيلة لا يعنى انعدام الرسالة، ومركزيات الاتصال الحديثة وشبكاته، لا تمحي بريقاً حضارياً، أنجته الصحافة الحرة، وكونته أدواتها استناداً إلى الدقة والمنهجية، والمرجعية التي لم تمحى من عصرها الآني، بل تم فقدانها بين أكوام من التشويش ورجع الصدى المُطَّرِب، تظل الصحافة، هي الصوت الأكثر صدقاً ومرجعية في زمن التشويش والعبث والمجريات الحياتية المطَّربة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :