تصريحات كوهين .. محاولة فاشلة لإعادة تدوير أوهام "الوطن البديل"
د. ماجد عسيلة
22-11-2025 08:59 AM
يبدو أن وزير الطاقة الإسرائيلي وعضو المجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينت" من حزب "الليكود" إيلي كوهين، لا يعرف الفرق بين وزارة الطاقة ووزارة الخيال السياسي، فالرجل "المعتوه" الذي من المفترض أن ينشغل بشؤون الغاز والكهرباء، قرر أن يقتحم ميدان السياسة، ليخرج على القناة 14 الاسرائيلية اليمينية المتطرفة بتصريحات لا يقولها إلا من يعيش في فقاعة من الوهم.
تصريحات كوهين لم تكن مجرد خطأ سياسي؛ كانت عرضا مجانيا للجهل المركب، فإعادة تدوير أسطورة "الأردن هو الدولة الفلسطينية" يشبه تماما محاولة تشغيل محطة طاقة نووية بواسطة بطارية أصابع، لكن كوهين يبدو مقتنعا بأنه اكتشف مفتاح الحل التاريخي، بينما في الواقع لم يفعل سوى استرجاع بقايا خطاب متطرف استهلكه الزمن ودفنته كل المعادلات الإقليمية.
اللافت أن الوزير المتحمس لإلغاء الدولة الفلسطينية، لم يقدم نقطة واحدة تستحق النقاش، بل اكتفى بعبارات متشنجة تظهر أن بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية يعيشون في عالم منفصل عن الواقع، عالم يسود فيه الوهم، وتبنى فيه "الحلول" على أساس إنكار الشعوب ومحاولة صياغة المنطقة كما يتخيلونها، لا كما هي فعلا.
الغضب الأردني لم يكن مجرد رد فعل، بل كان صفعة سياسية مستحقة، فالأردن يدرك أن مثل هذه التصريحات ليست زلة لسان، بل انعكاس لمستوى من الخطاب السياسي المتهور والمنبوذ الذي تتبناه حكومة نتنياهو التي أصبحت علاقتها بالعالم تشبه علاقة المدمن بالمنع؛ كلما حاول المجتمع الدولي تهدئتها، خرجت بتصرف جديد يثير توترا أكبر.
وحين قالت الخارجية الأردنية في ردعا إن الحكومة الإسرائيلية "منبوذة دوليا" لم تكن تبالغ، فالواقع يتحدث عن كم الإدانات والعزلة وتراجع الصورة، والمواقف الرسمية العالمية تزداد حدة تجاه سياساتها كل يوم.
أما كوهين.. فتحدث عن الأردن بثقة من يعتقد أن الدول يمكن طيها وإعادة تشكيلها كأنها خرائط مرسومة على ورق، متناسيا أن الأردن دولة مستقلة ومحورية، ثابتة في موقفها وتمتلك من السيادة ما يكفي لصد مثل هذه الادعاءات ببيان واحد، وهو ما حدث بالفعل.
المشكلة ليست في أن كوهين يكرر خطابا متطرفا؛ المشكلة أنه يظن أن هذا الخطاب قادر على خداع المجتمع الدولي أو تغيير الحقائق، والحقيقة الأكبر هي أن المأزق الحقيقي ليس عند الأردن ولا عند الفلسطينيين، بل داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها.. حكومة تبحث عن شماعات لتعلق عليها فشلها السياسي والأمني والدبلوماسي، فتقرر صناعة أزمات خارجية لتغطية ثقوبها الداخلية، وهنا يأتي كوهين بتصريح "غبي" لا يخدم حتى مصالح حكومته، بل يكشف هشاشة مقاربتها للمنطقة بأكملها.
إذا كان الوزير يتخيل أن "الأردن هو الدولة الفلسطينية"، فربما عليه أن يعيد النظر في مصادر معلوماته، وأن العالم لا يدار بالتمني، ولا تصنع السياسات بالهروب من الحقائق، وأن فلسطين ليست مشروعا مؤجلا ولا الأردن ورقة في جيب أحد.
باختصار فإن تصريحات كوهين ليست فقط عنصرية وخطيرة؛ هي دليل إضافي على أن بعض المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية المتطرفة يبحثون عن فتنة إقليمية بطريقة هواة، ويستخدمون منطقة شديدة الحساسية كمختبر لأفكارهم الفاشلة، والسخرية أن هذه التصريحات بدلا من أن تربك الأردن أو الفلسطينيين، لم تفعل سوى تعزيز القناعة بأن من يتحدث بهذه العقلية لا يصلح حتى لقراءة الخريطة، فكيف في رسم مستقبل المنطقة.