ودرب الحر كدربك يا وصفي غير مأمونة
نضال العضايلة
23-11-2025 12:31 AM
أيام قليلة، وتحل علينا ذكرى إستشهاد رجلاً آمنا به في حياته ومماته، رجلاً ضحى بنفسه من اجل ان تروي دمائه هذه الأرض التي احتضنها حياً، واحتضنته شهيداً بعد ان مات بغير ما أراد، تركها من أجل فلسطين فقتلته يد فلسطينية ملوثة حاقدة، قتله رجال خانوا العهد بعدما كان هو على عهده مع فلسطين الحبيبة.
لا يكفي أربعة وخمسون عاماً لكي ننسى وصفي، بل لا زمان ولا مكان سيمحوه من ذاكرتنا، فالاردن هو وهو نبضه الصادق لأنه جاء من بين القابضين على جراح الوطن تاركين جراحهم تنزف.
لم يكن يميل بل كان يرفض الخروج عن المشهد الأردني المملوء بالطيبين والفقراء والذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وما زالوا يبذلونها رخيصة من أجل أن لا تلعب الرياح بحبة تراب وجدت نفسها جزءاً من سهول حوران أو جبال الشراه أو شواطئ العقبة أو صحاري المفرق أو شوارع عمان.
لم يكن وصفي في يوم من الأيام يبحث عن الخيارات، فالأردن كان خياره الأول والأخير والوحدة العربية حلمه الجميل الذي نراه يذوي ويتضاءل يوماً بعد يوم إلى أن أصبح حلم بعيد المنال، ولم يغب أبداً فلا زال يسكن فينا، ولا زال مرجعيتنا عندما نعود لنبحث في ذاكرة الوطن عن القامات التي ما انحنت إلا لخالقها وما تسربلت بالعشق إلا للأردن.
عاش ابو مصطفى فقيراً لأنه لم يستغل يوماً منصبه لغاياته الشخصيةٍ الضيقة واستشهد وهو يملك الملايين من القلوب التي تستمد نبضها من نبضه.
يا وصفي، رغم أن الموت مفجع بحجم رحيلك ولكنه انحنى أمامك وأنت تتلقى رصاصات الغدر مرفوع الهامة، وربما كنت على علم بأن ثمة أشباح تختبئ خلف الظلام لإغتيال آخر الرجال الطيبين.
لا ندري ، بل ندري ونعرف لماذا كلما ادلهم الليل أخرجنا صورتك الجميلة من بين طيات الذاكرة وأخذنا نناجيك رغم غياب ابتعد عنا نصف قرن من الزمان.
لقد كان رحمه الله سنديانة عتيقة، وزيتونة لا شرقية ولا غربية تكاد وطنيتها تضيء في كل مكان، وشجرة حور باسقة الهامة تعلو على الصغائر وتسكن الضمائر، ودالية تمتد فروعها لتحتضن الوطن بأكمله وتلقي بظلالها على الجميع، فسكن حبه وصفي أفئدة الأردنيين.
لقد كان وصفي الرئيس الذي لم تمتد يده إلى المال العام، ولم يسجل العقارات والشركات باسمه واسم عائلته، ولم يستغل موقعه الرسمي لتحقيق مكاسب شخصية، بل كان نموذجا للمسؤول المخلص، الذي نذر نفسه لخدمة الوطن والمواطن، فصنع هيبة الدولة التي افتخر بها كل أردني في جينه، وحمل مشروعا قوميا جهاديا لتحرير فلسطين، فبدل أن يأخذ وصفي من الوطن ومقدراته، أعطى أغلى مايملك للوطن والأمة، أعطى روحه ودمه الزكي.
لقد تنبأ والده شاعر الأردن الكبير عرار باستشهاد وصفي وموته قتلاً، فأنشده يقول:
«عداك الذام يا وصفي رماحك غير مسنونة ودرب الحر يا وصفي كدربك غير مأمونة»
هكذا كانت نبوءة شاعر الأردن عرار لابنه قبل ثلاثة عقود من تحققها.
وفعلاً لم تكن درب وصفي مأمونه أبدا، واغتيل واغتيل معه أهم مشروع وطني اردني، وأهم مشروع لتحرير فلسطين، وأهم مشروع لتحقيق الوحدة العربية.
رحم الله أبا مصطفى وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الأنبياء والشهداء والصديق وعظم الله أجرك يا وطني.
الدستور