نتنياهو يطأ الأرض السورية: تثبيت واقع جديد قبل أيّ تسويات
صالح الشرّاب العبادي
23-11-2025 10:06 AM
في خطوة تحمل رسالة أبعد من الرمزية، دخل بنيامين نتنياهو الشريط السوري المحاذي للجولان المحتل، في إعلانٍ واضح بأن إسرائيل انتقلت من مرحلة صدّ الأخطار إلى مرحلة إعادة رسم الخرائط. الزيارة جاءت في لحظة إقليمية مضطربة، وفي توقيت يشير إلى أن تل أبيب تستغل الفراغ الاستراتيجي في سوريا، وانشغال القوى الكبرى بإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة.
بعد الزيارة اعلن عن تنفيذ عملية رأس الرمح و هي تحرّك عسكري إسرائيلي استباقي محدود، يقوم على تنفيذ ضربات دقيقة وتوغلات قصيرة داخل الشريط السوري المحاذي للجولان، بهدف تفكيك أي بنى لوجستية أو تجمعات قد تشكّل تهديداً لإسرائيل مستقبلاً. تعتمد العملية على وحدات خفيفة الحركة وطائرات مسيّرة واستطلاع متواصل، وتستهدف خلق منطقة عازلة فعلية دون إعلان رسمي، وتثبيت واقع ميداني جديد قبل دخول المنطقة في أي ترتيبات أمنية أو تسويات سياسية قادمة.
الأخطر في الزيارة والعملية العسكرية أنها جاءت رغم الحراك السياسي داخل دمشق، ورغم محاولات القيادة الجديدة التقرب من البيت الأبيض وفشل المفاوضات والاجتماعات بينها وبين إسرائيل لإظهار حالة “تماسك سياسي”. لكن إسرائيل أرادت القول إن أي تغيّر داخلي لن يعيد خطوط فضّ الاشتباك إلى ما قبل عام 1974، وإن الميدان هو من يحدد مستقبل الحدود لا الطاولات.
إسرائيل نجحت كذلك في نقل مركز التفاوض من قلب فلسطين إلى أطراف الاحتلال الجديد في غزة ولبنان وسوريا. فبدل أن تكون المفاوضات حول الحقوق الفلسطينية والضفة الغربية والتي التهمت نصفها ، باتت تدور حول “المناطق العازلة” و“الأمن الحدودي” و“منع التموضع واعادة التموضع لأي قوة ” في غزة ولبنان وسوريا . وهكذا يتحوّل القلب إلى هامش، والهامش إلى ساحة تفاوض محسوبة بدقة لمصلحة تل أبيب ، في وقت تنشغل به الدول العربية في رتوش التفاوضات والتنافس للتقرب من تراتب و "كف شره " عنها خلال الثلاث سنوات المقبلة .
أثر الزيارة يتجاوز سوريا. فالأردن ينظر بقلق إلى أي تمدد إسرائيلي قرب بادية السويداء لما له من تداعيات على أمن الحدود الشمالية ، فيما يجد لبنان نفسه أمام طوق جغرافي جديد يضيّق هامش مناورة حزب الله المتهاوي بين الجنوب والجولان وغزة التي باتت نصفها محتل خلال فرض واقع مؤلم داخلها .
وفي الخلفية، تعيش المنطقة على وقع التقارب القوي السعودي الأمريكي وتصريحات ترامبية تؤكد أن الرياض هي الحليف الأول. إسرائيل تقرأ هذا المشهد باعتباره فرصة ذهبية لتكريس وقائع قبل تثبيت الترتيبات الأمنية المقبلة.
في المحصلة، زيارة نتنياهو ليست استعراضًا… بل بداية مرحلة جديدة تُكتب بميزان القوة وحده ونقل التفاوض من قلب فلسطين إلى تفاوضات فرعية عربية وإقليمية معقدة ، فهل انتم موقنون.