جلالة الملك يرسخ "اقتصاد الإنتاج" برؤية استثمارية ثاقبة
آيات محمد الشاذلي
24-11-2025 08:57 AM
مع تزايد التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، يبرز الدور المحوري لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين كقائد اقتصادي يمتلك رؤية استراتيجية عميقة، تتجاوز إدارة الأزمات إلى تحصين الاقتصاد الوطني عبر ترسيخ مفهوم “اقتصاد الإنتاج”.
وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح في الأيام القليلة الماضية من خلال تحركات ملكية مباشرة، حملت في طياتها رسائل تحليلية واضحة للمجتمع الاقتصادي والمستثمرين.
لقد كانت زيارة جلالة الملك المفاجئة والمباشرة لمجموعة من المنشآت الصناعية في منطقة القسطل جنوبي العاصمة، بمثابة بيان اقتصادي ملكي يحدد الأولويات الوطنية. فبدلاً من الاكتفاء بالتوجيهات العامة، اختار جلالته النزول إلى الميدان، وتفقد مصانع وطنية رائدة في قطاعات حيوية كالصناعات الغذائية والدوائية، وهذا التحرك، من منظور التحليل الاقتصادي، ليس مجرد زيارة تفقدية، بل هو تأكيد عملي على مبدأ “التفضيل الإنتاجي” الذي يضعه جلالته في صلب رؤية التحديث الاقتصادي.
الصناعة في الأردن، كما أشار رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وركيزة أساسية في تنمية الصادرات الوطنية وتوليد فرص العمل المستدامة للأردنيين، وتحمل الزيارة دلالة أعمق؛ فهي تعزز ثقة المستثمرين في البيئة الصناعية الأردنية، وتوجه القطاع الخاص نحو الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة العالية، والتي تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يمثل جوهر المرونة الاقتصادية التي يسعى الأردن لبنائها.
تتكامل الجهود الداخلية لدعم الإنتاج مع تحركات جلالته الخارجية التي تهدف إلى توطيد العلاقات الاقتصادية وفتح أسواق جديدة أمام المنتج الأردني.
جلالة الملك، الذي يدرك بعمق تعقيدات المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، يسير بملف الاستثمار نحو “بر الأمان” من خلال مسارين متوازيين، يتمثل المسار الأول في الضمانات الداخلية، عبر التأكيد على وجود قوانين ضابطة وضامنة لملف الاستثمار، وبيئة داخلية مستقرة ومحفزة، مما يجعل الأردن بوابة استثمارية آمنة.
أما المسار الثاني فهو الرؤية الخارجية، من خلال جولات ومباحثات ثنائية تهدف إلى تعزيز الشراكات وبناء علاقات استثمارية مع دول ذات ثقل اقتصادي عالمي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتصدير والتعاون الاقتصادي، وهذا التناغم بين التحفيز الموضعي عبر زيارة المصانع، والاستراتيجية الكلية عبر الدبلوماسية الاقتصادية، يعكس فهماً دقيقاً لمتطلبات التنمية المستدامة. إنها مقاربة لا تكتفي بـ “إصلاح” الاقتصاد، بل تسعى إلى “إعادة هيكلته” ليصبح أكثر قدرة على المنافسة والصمود في وجه الصدمات الخارجية.
إن الإشادة بدور جلالة الملك عبد الله الثاني في قيادة الملف الاقتصادي لا تنبع من مجاملة، بل من تحليل موضوعي لنمط القيادة الاقتصادية المتبعة، فجلالته لا يكتفي بدور المشرف، بل هو المهندس الأول لمسيرة التحديث الاقتصادي، مستخدماً خبرته الأكاديمية والعملية في قراءة المؤشرات وتوجيه البوصلة نحو الأهداف الاستراتيجية.
إن رؤية جلالته نحو “اقتصاد قوي متمكن وممكن” هي رؤية تستند إلى منهجية علمية تدرك أن قوة الاقتصاد لا تتحقق إلا بوجود استثمار يماثله في القوة، وأن هذا الاستثمار يتطلب بيئة تشريعية مستقرة ودعماً ملكياً مباشراً يزيل العقبات البيروقراطية ويشجع على الابتكار والتوسع.
في الختام، يمكن القول إن الأيام الماضية لم تكن مجرد أيام عادية في مسيرة الاقتصاد الأردني، بل كانت فصولاً جديدة في كتاب “الرؤية الملكية للاقتصاد”، حيث يواصل جلالة الملك عبد الله الثاني، بخطى ثابتة ورؤية ثاقبة، ترسيخ مكانة الأردن كمركز إقليمي للإنتاج والاستثمار، مؤكداً أن القيادة الاقتصادية الفاعلة هي حجر الزاوية في بناء مستقبل مزدهر للأردن والأردنيين.