من 2026 إلى 2028… كيف يصنع الأردن حكومته الرقمية؟
هيام الكركي
25-11-2025 02:16 PM
هناك لحظات في مسار الدول لا تكون مجرد “قرارات حكومية”، بل خطوات تعيد تشكيل طريقة تفكيرنا وتعاملنا مع مؤسساتنا. واعتماد الاستراتيجية الأردنية للتحول الرقمي للأعوام 2026 – 2028 هو واحدة من هذه اللحظات؛ لأنه لا يتعلق بأنظمة وبرامج فقط، بل بطريقة جديدة لإدارة الدولة وعلاقتها بالمواطن.
عندما تعلن الحكومة عن استراتيجية رقمية جديدة، فإن السؤال الحقيقي ليس: ما هي البنود؟ بل: كيف يمكن أن يتغيّر شكل حياتنا خلال السنوات المقبلة؟ وكيف سيشعر المواطن الفرق في تفاصيل يومه؟ هذا هو جوهر التحول الرقمي، وهذا ما تحاول الاستراتيجية الجديدة رسمه من الآن.
فكرة التحول ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر واقعية. فالاستراتيجية الحالية جاءت بعد تجربة امتدت لأربع سنوات، وبعد ملاحظات قُدمت من القطاع الخاص والمواطنين، وبعد أن أصبح العالم يسير بسرعة تجعل أي تأخير في الرقمنة مكلفا على مستوى الاقتصاد والخدمات والوقت.
وما تعنيه هذه الاستراتيجية في جوهرها أن الأردن يريد أن ينتقل من “الخدمة التقليدية” التي تعتمد على الورق والانتظار، إلى خدمة رقمية بسيطة تجعل المواطن قادرا على إنهاء معاملاته دون جهد.
ليس من باب الرفاهية، بل لأن هذا هو معيار الخدمة الحكومية الحديثة في العالم اليوم.
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحا، يمكن تخيل بعض المشاهد اليومية المقبلة:
• أن يفتح المواطن هاتفه ويستخرج وثيقة رسمية خلال دقائق دون زيارة أي دائرة حكومية.
• أن يعتمد توقيعا رقميا يلغي الحاجة لحضور شخصي لتوقيع عقد أو معاملة.
• أن يمتلك ملفا صحيا رقميا يعرف الأطباء تاريخه المرضي من خلاله بدقة.
• أن تتحول منصة “سند” إلى منصة موحدة تجنب المواطن السؤال المتكرر: وين لازم أروح؟
هذه أمثلة بسيطة لكنها تعبر عن التحول الحقيقي الذي تستهدفه الحكومة.
لكن الجانب الأكثر أهمية هو أن التحول الرقمي ليس مشروعا تقنيا، بل مشروع إدارة عامة. يحتاج إلى تشريعات جديدة، وكوادر مدربة، وتغيير في ثقافة المؤسسات، ومتابعة مستمرة للنتائج.
الاستراتيجية الجديدة تضع ذلك ضمن 57 مشروعًا حتى 2028، وهو رقم كبير يعكس حجم التغيير المطلوب، لكنه ايضا يوضح أن الدولة تريد أن تنتقل من الوعود إلى التنفيذ المبرمج.
وبالرغم من أن البيان تحدث عن شبكات الجيل الخامس والألياف الضوئية والذكاء الاصطناعي، إلا أن القيمة الحقيقية تكمن في شيء آخر: أن يشعر المواطن بأن الدولة أصبحت أقرب، وأن حاجته تلبى بسرعة، وأن الخدمة الحكومية لم تعد مرهقة أو معقدة كما كانت.
هذه الاستراتيجية ليست مجرد خارطة طريق تقنية، بل جزء من مشروع وطني يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي وتحديث القطاع العام.
وإذا نفذت بجدية، ستضع الأردن في مرحلة مختلفة، حيث تصبح الرقمنة وسيلة لتقوية المؤسسات، ورفع كفاءة الخدمات، وتقليل التكاليف، وزيادة ثقة المجتمع بالدولة.
بين 2026 و2028، لن يكون السؤال: هل نمتلك تطبيقات رقمية؟
السؤال الحقيقي هو: هل نجحنا في بناء حكومة أسهل للمواطن؟
وهذا هو المعيار الذي سيحكم نجاح التحول الرقمي في الأردن.