facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عندما يخلط السياسي بين "الخيار الاستراتيجي" و"الخيار باللبن"


د. ثروت المعاقبة
25-11-2025 11:41 PM

السياسة هي منظومة شاملة تُعنى بتنظيم شؤون المجتمع، وتوجيه موارده، وصياغة مستقبل أفراده. إنها المجال الذي تُصنع فيه القرارات التي تمسّ حياة الناس اليومية، من رغيف الخبز إلى الأمن الوطني، فالسياسة في جوهرها علمٌ وفن؛ علمٌ يستند إلى المعرفة والتحليل، وفنٌّ يقوم على المهارة والحنكة وفهم طبيعة البشر وكيفية التعامل معهم.

ومهما اختلفت الأنظمة واتسعت الرقعة الجغرافية، تبقى السياسة مرآة تعكس مستوى وعي الشعوب ونضج القادة، فهي ليست مجرد إدارة للسلطة، بل مسؤولية أخلاقية تُقاس بقدرة السياسي على خدمة مجتمعه، وصون مصالحه، وتوجيه بوصلته نحو الاستقرار والنهوض نحو الأفضل.

وحين تُدار السياسة بوعي ورؤية حقيقية، تصبح أداة للبناء والتقدم والازدهار، أما حين تُستغل للهيمنة أو الجاه، أو لأغراض شخصية فإنها تتحول إلى عبء يرهق الأوطان ويفتح الأبواب للفوضى والضياع، وهناك مصيبة كبرى تحدث عندما لا يميز السياسي بين الخيار الاستراتيجي الذي يحدد مصير المجتمع، وبين الخيار باللبن الذي لا يتجاوز كونه سلعة على رفوف البقالات. حينها يصبح الخلط فادحاً، لا لأن التشابه اللفظي مضحك جدا، بل لأن العجز عن إدراك الفارق بين المصطلحين يكشف سطحية التفكير وضحالة الرؤية.

فالسياسة، في جوهرها، ليست مجالاً للهوامش أو النكات السوقية، بل هي فن إدارة المصالح الكبرى، وصناعة القرار الذي يرسم مسار الأجيال. وحين يتعامل السياسي مع المصطلحات الاستراتيجية بنفس خفة تعامله مع قائمة طعام التي يحتاجها بشكل يومي، فانتظر نتائج كارثية على حاضر الأمة ومستقبلها.

عندما يُفرّغ "الخيار الاستراتيجي" من معناه الحقيقي، يصبح مجرد شعار فضفاض يُستخدم للتسويق الإعلامي فقط في المحافل الرسمية واللقاءات، بينما تُدار السياسات بالفعل بمنطق "البيع والشراء"، أو بتبديل سريع كمن ينتقل من نوع جبن إلى آخر. هنا لا تعود هناك قداسة للثوابت الوطنية، ولا وزن للمصالح العليا، فكل شيء يتحول إلى "خيار باللبن" يُستهلك وينتهي.

السلطة والسلطة والأخطر من ذلك أن هذا الخلط يقود إلى نتيجة أدهى يصبح من المستحيل التمييز بين السلطة بمعناها المشروع كأداة تنظيمية لضبط الدولة، والسلطة بمعناها السلطوي كهيمنة واستحواذ فالسياسي الذي لا يميز بين المفاهيم، سيعامل السلطة كغنيمة شخصية لا كأمانة عامة. وهنا تختفي الفوارق بين الشرعية والاستبداد، وبين خدمة الوطن واستغلاله.

المأساة تتكرر فالتاريخ مليء بشواهد رفعوا شعارات "الخيار الاستراتيجي" بينما كانوا يتعاملون مع ملفات مصيرية بسطحية وسوقية المقاهي. بعضهم باع أوهاماً تحت عنوان "استراتيجيات" لم تتجاوز كونها مسكنات وقتية، والنتيجة: شعوب محبطة، وثقة مفقودة، ودولة تعاني ارتباكاً في كل منعطف.

والحل الوحيد للخروج من هذا المأزق يبدأ بإعادة الاعتبار للفكر السياسي الرصين، وتربية جيل من القادة يفرقون بين الخيار الذي يبني أمة وبين الخيار الذي يوضع في السلة عندما نتسوق من البقالة. عندها فقط نستطيع أن نعيد للسلطة معناها الحقيقي خدمة المجتمع، لا خدمة نزوات الأفراد وأهوائهم الشخصية.

المصيبة هنا ليست في "الخيار باللبن" بحد ذاته، بل في السياسي الذي يعامله وكأنه يوازي "الخيار الاستراتيجي". وعندها، لن نرى فرقاً بين سلطةٍ تبني الأوطان وسلطةٍ تتناولها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :