facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأفق الاستثماري الملكي .. من الرؤية إلى الإنجاز


د.غازي عبدالمجيد الرقيبات
26-11-2025 12:02 AM

كأنّ جلالة الملك ، وهو يطلّ على المشهد الوطني من قمّة الحكمة، يرى الأردن كـ سفينةٍ تبحر في محيط المستقبل؛ لا تحتاج إلى مزيد من المجاديف قدر حاجتها إلى ربّان واحد يوحّد الإيقاع، وخرائط واضحة لا تترك السفينة رهينة أمواج الاجتهاد الفردي، ومن هنا تأتي دعوته إلى النهج الحكومي الموحّد كأنها نداءٌ لِلُّبّ الدولة أن تستيقظ من نوم التجزؤ، وأن تتكامل أضلاعها كما تتكامل نجوم السماء في رسم اتجاهات المسافر، فالاستثمار، في رؤيته، ليس معاملة ورقية ولا رقماً في تقرير، بل شريان حياة يربط حاضر الأمة بمستقبلها ومن أجل ذلك تُعزز وزارة الاستثمار بوصفها “العقل الكلّي” لمنظومة اقتصادية يجب أن تعمل كجهاز عصبي واحد، تُرسل إشاراتها بسلاسة، وتستقبل حركة المستثمرين بلا ارتباك أو ضوضاء.

غير أنّ هذا الطريق نحو النهضة لا يخلو من عراقيل وعقبات، فالاستثمار في الأردن ظلّ لسنوات كزهرةٍ تكافح لتتفتح في تربة تعجّ بالصخور؛ البيروقراطية المتشابكة، كلفة الطاقة، بطء الإجراءات، تشتت المرجعيات، وكلّها عُقدٌ لا تُفكّ بالوعود، بل بالمشرط الإصلاحي الحاسم، اما البيروقراطية نفسها تبدو كـ غابة كثيفة يغوص فيها المستثمر فلا يرى سماءً ولا أرضاً، وحلّها ليس تقليم بعض الأغصان بل فتح ممرّ مضيء عبرها؛ منصة رقمية سيادية واحدة تذيب تعدد الجهات في نافذة واحدة، تُدار بالذكاء الاصطناعي لتوجيه المسار، وتربط الجهات الحكومية كما تربط الأعصاب أطراف الجسد، بينما فجوة التمويل فتشبه نهر ابتكارٍ بلا ينابيع؛ أفكار تلمع ولا تجد الماء الذي ينقلها من الصخرة إلى الحقل، وهنا يبرز دور صندوق الابتكار الوطني، صندوق لا يموّل فقط، بل يرعى، يوجّه، ويقيم شراكات مع صناديق عالمية وإقليمية، لخلق مشروع جديد، كما في كوريا الجنوبية التي حولت فقراء الأمس إلى مهندسي المستقبل، ويُضاف إليه إطلاق مختبرات “تشريع تجريبي” تسمح للشركات الناشئة بالعمل في فضاء قانوني مفتوح، بعيداً عن قيود الماضي.

وهنا قد تبدو صورة الأردن في الخارج استثماريا بحاجة إلى إعادة تشكيل؛ فالبلدان لا تُقاس بمواردها فقط، بل بقدرتها على حكاية وتسويق نفسها، والأردن يمتلك من جمال روايته ما يكفي، لكنه يحتاج إلى صناعة علامته الاستثمارية الخاصة، التي تظهره كـ جزيرة استقرار وسط محيط مضطرب وهائج، وكـ مستودع للعقول والكفاءات، لا مجرد محطة عبور، وهنا يبرز دور مركز وطني لتصميم “ملفات استثمارية عملاقة”، تُقدّم للعالم كما تُقدّم التحف الثمينة في واجهة معرض دولي، مصوغة بأعلى درجات الوضوح والإغواء المشروع.

وإذا كانت الثقة هي أكسجين الاستثمار، فإن ضعفها يجعل الرئة الاقتصادية تتنفس بصعوبة، ويكمن العلاج في ضمانة تشريعية سيادية تحمي المستثمر من تقلّب التشريعات والقوانين، وفي تقارير ربع سنوية صريحة تكشف التقدم بلا رتوش، لتبنى الثقة كما تُبنى القلاع: حجراً فوق حجر، ووضوحاً فوق وضوح، أما كلفة الطاقة، فهي أشبه بسلسلة ثقيلة في قدم الاقتصاد، تمنعه من الجري رغم قوته، والحلّ لا يكون إلا بتحرير حقيقي لسوق الطاقة، وتمكين المصانع من إنتاج كهربائها، وإقامة “وديان طاقة شمسية” في المفرق والجنوب، تُحوّل الأردن إلى خزّان ضوء يمدُّ الصناعة والتجارة بما تحتاجه، وتأتي الأفكار الريادية الخلاقة لتضيف طبقة أخرى من الجاذبية مثل: مناطق ابتكار صناعي تُصمَّم حول سلاسل القيمة لا حول المواقع الجغرافية، إضافة الى مدن ذكية صغيرة تُبنى من الصفر كنماذج للحياة المستقبلية، مثل “نيوم” ولكن بنسخة أردنية أكثر واقعية وأعمق اتصالاً بالإنسان، وخلق مرافئ اقتصادية افتراضية تتيح تأسيس الشركات وإدارة أعمالها رقمياً بجاذبية عالمية، وكذلك حدائق تكنولوجية خضراء تربط الطاقة بالماء والزراعة والتصدير في منظومة واحدة، يضاف لكل ذلك مراكز جذب سياحي-استثماري تقدم التجربة الاقتصادية والسياحية في قالب واحد كما فعلت سنغافورة حين جعلت الميناء هو الحديقة، والاقتصاد هو المشهد الحضاري.

في ضوء هذا كله، تبدو التوجيهات الملكية وكأنها نصّ تأسيسي لنهضة جديدة، نهضة لا تقوم على الأمنيات بل على هندسة الغد بجرأةٍ لا تخشى من إعادة تفكيك القوالب القديمة، فهي دعوة إلى أن يتحوّل الأردن من دولة تُصلح الإجراءات إلى دولة تصنع الأفكار، ومن اقتصاد ينتظر المستثمر إلى اقتصاد يسافر هو إلى العالم، واثقاً بأن لديه ما يغري، وما ينافس، وما يبهر، نعم إنها رؤية تجعل من الاستثمار فلسفة وجود لا مجرد نشاط، وتجعل من المستقبل مساحة مشرعة للخلق لا للاستقبال، وهكذا يصبح الأردن (إذا التقط هذه الرؤية بوعي وشجاعة) قادراً على أن يكتب فصله الاقتصادي الأجمل، فصلاً لا يُشتق من الماضي، بل يُصاغ من سطوع نور الإرادة الملكية، ومن قدرة هذا الوطن على تحويل الصخور إلى جسور، والضيق إلى فرصة، والحدود إلى آفاق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :