الأردن يصعد بخطوات واثقة على خريطة المعرفة العالمية
فيصل تايه
26-11-2025 08:47 AM
عندما نتوقف أمام تقدمنا الملحوظ في مؤشر المعرفة العالمي لعام ٢٠٢٥، والذي يبين أن الأردن انتقل إلى المرتبة ٧٣ من أصل ١٩٥ دولة، بعد أن كنا في المرتبتين ٨٨ و٩٧ في العامين السابقين، ندرك أن ما نشهده اليوم ليس مجرد قفزة رقمية، بل إنجاز حقيقي يعكس إرادة الدولة الصارمة ورؤيتها بعيدة المدى ، فهذا التحسن يؤكد أن المسار الإصلاحي الذي تتبناه مؤسساتنا لم يعد حبراً على ورق، بل أصبح جزءاً من بنيتنا المؤسسية، يدفعنا بثقة نحو اقتصاد يضع المعرفة والابتكار في قلب عملية الإنتاج والتنمية.
إن تقرير مؤشر المعرفة، الذي يصدر سنوياً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم ، يشكل أداة مرجعية دولية مهمة لقياس مستوى المعرفة في الدول ، اذ لا يكتفي برصد البيانات، بل يقدم رؤى قائمة على الأدلة لتوجيه السياسات وصياغة مسارات العمل، ما يتيح لصانعي القرار تقييم الأداء الوطني مقارنة بالدول الأخرى ، وهذا المنهج يعزز بشكل مباشر جهود الأردن في التحديث والتنمية المعرفية، متماشيًا مع رؤية التحديث ٢٠٣٣، ومغذياً للعمل على التعليم والبحث والابتكار والاقتصاد الرقمي والبنية التمكينية.
إذا أردنا أن نرى إرادة التغيير الحقيقية، فلننظر إلى الإصلاح التربوي، قلب أي مشروع نهضوي ، فالتعليم لم يعد مجرد نقل معلومات، بل أصبح محركاً للإبداع والتفكير النقدي ، فالطالب اليوم لا يكتفي بالحفظ، بل يحصل على أدوات التحليل والابتكار التي تتطلبها المرحلة المعرفية الجديدة ، فقد ساعد التقرير العالمي للمؤشر على توجيه السياسات التعليمية، وتحسين المناهج، وتركيزها على المهارات، وتنويع التخصصات، وتحديث أساليب التدريس، وتوظيف التكنولوجيا ووسائل الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تدريب المعلمين وتطوير استراتيجيات وأدوات التقييم.
ويتجلى أثر الإصلاح أيضاً في التعليم التقني والمهني، الذي أصبح خياراً استراتيجياً لا يقل أهمية عن التعليم الأكاديمي ، فلا يمكن بناء اقتصاد معرفي حقيقي من دون كفاءات قادرة على ردم الفجوة بين التعليم واحتياجات سوق العمل ، واليوم، نرى مؤسسات التعليم التقني تتقدم بثقة، مسلحة شبابنا بالمهارات العملية اللازمة ليصبحوا قوة إنتاجية قادرة على تحويل المعرفة إلى حلول وفرص اقتصادية مبتكرة، تسهم مباشرة في تنمية مجتمعنا واقتصادنا.
ولا يكتمل هذا المشهد دون الإشارة إلى البنية التحتية الرقمية، التي شهدت طفرة كبيرة في المدارس والجامعات ، فقد أصبحت التكنولوجيا التعليمية جزءاً أصيلاً من العملية التعليمية، مما خلق بيئة تفاعلية غنية، جعلت الطالب الأردني مشاركاً فاعلاً في فضاء رقمي عالمي، قادراً على اكتشاف المعرفة وصقل مهاراته المستقبلية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تقدم الأردن في المؤشرات العالمية.
أما التعليم الجامعي، فقد استفاد بشكل واضح من نتائج المؤشر، الذي يمكن الجامعات من تبني استراتيجيات تعليمية مبتكرة، وتطوير برامج دراسات أكاديمية تتوافق مع احتياجات سوق العمل، وترسيخ البرامج التعليمية باستخدام أحدث التقنيات ومنهجيات التعلم النشط ، فهذا يعزز جاهزية الخريجين ويساهم في رفع قدرة الجامعات على المنافسة عالمياً .
وفي موازاة ذلك، بدأ البحث العلمي يشق طريقه نحو التحول من نشاط أكاديمي محدود إلى قوة إنتاجية حقيقية ، فقد ازدادت الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص، وتنامى الدعم لمبادرات ريادة الأعمال، مما جعل المعرفة تتحول إلى قيمة اقتصادية ملموسة، وساهم في تعزيز حضور الأردن على خريطة الابتكار على المستويين الإقليمي والدولي.
ومع كل هذا التقدم، يظل على عاتقنا مسؤولية مضاعفة لضمان وصول هذه المكاسب إلى جميع مناطق المملكة، ومعالجة أي فجوات متبقية في البنية التعليمية والرقمية ، فالحفاظ على هذا الإنجاز يتطلب استمرارية في الإصلاح واستثماراً مستداماً في الإنسان الأردني، الذي يظل محور مشروع الدولة المعرفي.
لقد خطا الأردن خطوة واسعة نحو تأسيس دولة المعرفة، مؤكداً أن الاستثمار في العقل هو الاستثمار الأكثر أماناً وأهمية ، وان ما تحقق اليوم ليس مجرد إنجاز وطني، بل رسالة واضحة تقول إن الأردن، بقيادته وإرادته ومؤسساته، ماض بثبات نحو مستقبل مبني على الإبداع والتكنولوجيا ورأس المال البشري، قادر على تحويل طموحاته إلى واقع، وواقعه إلى نموذج يحتذى به في المنطقة.
والله ولي التوفيق.