عملية الرمثا .. شرف الأمن يفضح جبن التكفيريين
د. مثقال القرالة
26-11-2025 10:58 AM
في ليلةٍ مشحونةٍ برائحة الترقّب والرصاص، شهدت مدينة الرمثا واحدةً من أكثر العمليات الأمنية دقةً ونقاءً في تاريخ المواجهة بين الدولة الأردنية والفكر التكفيري المتوحش. لم تكن العملية مجرّد مداهمة، بل كانت اختباراً صارماً لميزان الأخلاق الوطنية في مواجهة أبشع صور الانحطاط الإنساني، حين تجرّأ شقيقان من أتباع الفكر الظلامي على اتخاذ والدتهما درعاً بشرياً، في دليل جديد على أن التكفيري لا يعرف وطناً، ولا يعرف أمّاً، ولا يعرف شرفاً، وأن هذا الفكر لا يترك في قلب حامله سوى الخراب والوحشية. فعندما تحركت وحدات الأمن العام نحو الموقع، لم تكن القوة الغاشمة خياراً عشوائياً، بل كانت عملية مبنية على حسابات عالية الدقة، مدروسة، متأنية، تُظهِر حجم الاحترافية التي يتمتع بها نشامى الوطن. ومع بدء الاشتباك، حاول الإرهابيان الاحتماء بوالدتهما، وإطلاق النار من خلف جسدها، في مشهد لا يفعله إلا من فقد آخر ذرة إنسانية. إن التكفيري حين يرفع سلاحه لا يرفعها دفاعاً عن حق ولا نصرةً لدين، بل يرفعه هروباً من الحقيقة، وارتداداً إلى هاوية الخيانة والجبن والقتل باسم الله زوراً.
طالت العملية الأمنية ليس ضعفاً، بل لأن الأردن دولة تحترم الإنسان حتى في لحظات النار. الأطول زمناً… نعم، لكنها الأطهر مبدأً والأكثر انضباطاً. كان بإمكان رجال الأمن إنهاء الاشتباك بضربة واحدة، لكن قيمة الإنسان عندهم أغلى من كل رصاصة. وقفوا تحت نيران الإرهابيين، لم يتراجعوا، لم يتوتروا، بل ظلّوا يتقدمون بحكمة وحرفية، يحاصرون البيت شبراً شبراً، وعيونهم لا تفارق الأم التي لا ينبغي أن تدفع ثمن ضلال أبنائها. فهذه ليست عملية عسكرية فحسب؛ إنّها درس أخلاقي مكتمل الأركان. ففي الوقت الذي كان فيه الإرهابيان يتخذان والدتهما درعاً نجساً ليُطيلَا عمرهما الدموي، كان رجال الأمن يبذلون الروح للحفاظ على حياتها. وفي اللحظة الحاسمة، حسم النشامى المواجهة بحرفية نادرة، فأسقطوا الإرهابيين واحداً بعد الآخر، وأخرجوا الأم من وسط اللهب دون خدش، وكأن يد الله كانت تسند هؤلاء الرجال الذين اختاروا الإنسانية قبل التكتيك، والشرف قبل الحسم السريع.
هكذا تُصنع الدول… وهكذا يُصان الأمن. لا تعيش الدولة بالقوانين وحدها، بل تعيش برجال يحملون القانون على أكتافهم بكرامة لا تنحني. الأمن الأردني أثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد قوة تنفيذية، بل مؤسسة شرف، وأكاديمية أخلاق، وجدارٌ صلب يقف بين هذا الوطن وبين قوى الظلام التي تتربص به. وفي مقابل هذا المشهد النبيل لم يبقَ من الفكر التكفيري سوى ركام الخيانة؛ فكرةٌ تتغذى على الدم، تهجر العقل، وتُهين الإنسان، وتغرس في أصحابها جبناً يفوق الوصف. لقد انتصر الأردن في الرمثا لا لأن الإرهابيين سقطوا فحسب، بل لأن قيم الأردن ارتفعت. انتصر لأن إنسانية الدولة بقيت صلبة أمام قبح التطرف؛ ولأن الأجهزة الأمنية أثبتت أنها ليست قوة صدام، بل قوة حكمة، قوة ضبط، قوة تستمد شرعيتها من شرفها قبل سلاحها. إن نشامى الأمن هم حراس النهار والليل، سيوف الوطن حين يشتد الخطر، وأذرع الرحمة حين يلوّح الأبرياء بالخوف.
تلك العملية ستظل علامة مضيئة في سجل الدولة؛ عنواناً يُدرس، ودرساً يُروى للأجيال. هكذا يحمي الأردن نفسه… لا بصوت مرتفع، بل بمواقف صادقة، وشرف لا يتزعزع، وقيادة تعرف أن أمن الإنسان هو خط أحمر لا يُكسر. اللهم احفظ الأردن، واحفظ ملكه وجيشه وأجهزته الأمنية، واجعل هذا الوطن عصيّاً على كل فكرٍ يتسلل من ثقوب الجهل والظلام.